يشرفني أن أخاطبكم لاغتنام الفرصة للتنديد بأعظم عملية سطو في التاريخ الحديث لجمهورية فنزويلا البوليفارية، ارتكبتها، مع الإفلات التام من العقاب حتى الآن، المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، في خضم أسوأ جائحة عرفتها البشرية في السنوات المائة الماضية.
وعلى مدى أكثر من 20 عاما، أودعت جمهورية فنزويلا البوليفارية جزءا من احتياطياتها من الذهب في مصرف إنكلترا، كضمان للوفاء بالوعود بالدفع للمودعين وحاملي السندات، وكمستودع للقيمة، ومن أجل دعم قيمة عملتنا الوطنية. غير أن الحكومة الفنزويلية قررت في عام 2011، في أعقاب نهب احتياطيات الذهب الليبية المودعة في نفس المؤسسة المالية البريطانية، إعادة جزء كبير من الذهب المودع في مصرف إنكلترا. ولم يبق في عهدة مصرف إنكلترا سوى جزء صغير من احتياطيات الذهب هذه، يبلغ اليوم أكثر من بليون دولار، وهو ملك للشعب الفنزويلي، وذلك لغرض حصري هو ضمان حسن سير العمليات المالية الدولية لفنزويلا.
والآن، وكما نددنا من قبل أمام مجلس الأمن (انظر S/2019/117 و S/PV.8476 و S/PV.8506 و S/2020/337)، ومنذ أوائل عام 2019، سرق مصرف إنكلترا، من الناحية العملية، أكثر من بليون دولار من فنزويلا، حيث رفض مرارا الامتثال للتعليمات التي قدمها صاحب الحساب وصاحب احتياطيات الذهب المودعة في تلك المؤسسة المالية - مصرف فنزويلا المركزي - لتصفية جزء من تلك الموارد، من أجل استخدامه في شراء السلع والخدمات الأساسية لضمان رفاه الشعب الفنزويلي، بما في ذلك الأغذية والأدوية وغيرها من الإمدادات الأساسية.
واحتج مصرف إنكلترا خطيا بأنه بالنظر إلى قرار حكومة لندن عدم الاعتراف بالرئيس نيكولاس مادورو موروس رئيسا للدولة والحكومة في جمهورية فنزويلا البوليفارية، وبعد مشاورات مع وزير خارجية المملكة المتحدة، قرر من جانب واحد وبصورة غير قانونية التنكر لسلطة السيد كاليكستو أورتيغا سانشيز، رئيس مصرف فنزويلا المركزي.
ولدى القيام بذلك، لم ينتهك مصرف إنكلترا حرمة العقود والقانون الدولي العرفي بشأن حصانة الاحتياطيات والأصول الدولية للمصارف المركزية الأجنبية من إجراءات التنفيذ فحسب، بل أثبت أيضا أنه ليس مؤسسة مالية محايدة أو شفافة، ناهيك عن كونه مؤسسة مستقلة أو جديرة بالثقة، مما يدمر أي مصداقية ربما كانت موجودة له في إدارة موارد البلدان الوديعة.
ومن ثم، فإن التجربة الفنزويلية ستكون بمثابة تحذير آخر لجميع الدول التي لا تزال لديها موارد تحت عهدة مصرف إنكلترا، حيث أنه من الممكن، على ما يبدو، أن يتجاوز، في أي وقت من الأوقات، دوره كوديع للاحتياطيات الدولية، وأن يرفض، بدلا من ذلك، الامتثال للتعليمات التي تقدمها المصارف المركزية الوطنية، ويتنكر لسلطة الحكومات الوطنية و/أو أصحاب الحسابات، ويمضي من ثم في نهب الأموال المودعة في خزائنه.
وطوال عام 2020، كان العالم بأسره يصارع جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) وآثارها المتعددة والمدمرة. وفي حالتنا، يتفاقم أثر هذه الحالة الطارئة العالمية نتيجة لتطبيق سياسة إجرامية تتمثل في الخنق الاقتصادي وأقصى قدر من القسوة المتعمدة. وإدراكا لهذا الواقع والأثر الكبير الذي يحتمل أن يترتب على هذه الجائحة في دولة تمزقها بالفعل الآثار الضارة للتدابير القسرية المتخذة من جانب واحد، إلى جانب أن الاقتصاد الفنزويلي كان يعاني بالفعل من كساد اقتصادي عميق، مع ارتفاع مستويات التضخم الجامح، منذ عام 2014 على أقل تقدير - أي قبل فرض ما يسمى بالجزاءات - أدرج الأمين العام للأمم المتحدة بلدنا في الخطة الإنسانية العالمية لمواجهة كوفيد-19.
وإن الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي المفروض على فنزويلا يعوق، في جملة أمور، إمكانية الاستفادة بانتظام من النظام المالي الدولي، والتجارة الحرة، والاحتياجات الأساسية لضمان رفاه شعبنا وحقه في الحياة والصحة والغذاء والتنمية. وبناء على ذلك، يكاد يكون من المستحيل حتى الآن بالنسبة لحكومتنا الوطنية أن تتلقى المساعدة في مجال المعدات الطبية وأن تشتري الأدوية ومعدات الوقاية الشخصية واللقاحات وغيرها من اللوازم ذات الأهمية الحاسمة في الكفاح العالمي ضد مرض فيروس كورونا المستجد. ونتيجة لذلك، فإن التطبيق غير القانوني ”للجزاءات“ في خضم جائحة يقوض بلا شك جهودنا الوطنية، ويقلل من احتمالات النجاح في هزيمة كوفيد-19 في الداخل، الأمر الذي لا يؤدي، في العالم المترابط الذي نعيش فيه، سوى إلى زيادة الخطر علينا جميعا.
وفي هذا الصدد، أود أن أبلغكم بأن مصرف فنزويلا المركزي يجري منذ نيسان/أبريل 2020 محادثات مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي وافق على تلقي أموال تهدف إلى شراء تلك الإمدادات والمعدات وغيرها من المساعدات الإنسانية والطبية اللازمة لمكافحة جائحة كوفيد-19 على وجه التحديد. وقد أُبلغ مصرف إنكلترا بهذا الاتفاق وصدرت إليه تعليمات بتصفية جزء من احتياطيات الذهب، ودفع الأموال المتأتية من ذلك البيع وتحويلها إلى البرنامج الإنمائي. ومرة أخرى، لم يسمح مصرف إنكلترا بالحصول على احتياطيات الذهب الفنزويلية المودعة في تلك المؤسسة المالية ورفض الامتثال للتعليمات التي قدمها صاحب الحساب الشرعي - مصرف فنزويلا المركزي - الأمر الذي أسفر عن تقديم مطالبة قانونية في 14 أيار/مايو 2020.
وفي ضوء ما تقدم، وهي حالة ازداد تفاقمها بسبب أن هناك استفادة من جائحة تؤثر حاليا على البشرية جمعاء، هناك ثلاثة أمور واضحة تماما الآن: (أ) أن مصرف إنكلترا هو، في الواقع، ذراع منفذ لسياسة الحكومة البريطانية الاستعمارية المتمثلة في السلب والنهب؛ (ب) أن المملكة المتحدة ضالعة علنا في ارتكاب عمل من أعمال الإبادة، وهو ما يشكل جريمة ضد الإنسانية، وفقا لأحكام نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، نظرا إلى أنها تتعمد ”فرض أحوال معيشية، من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء، بقصد إهلاك جزء من السكان“؛ (ج) أن حكومة لندن لا تعير اهتماما لما يسمى بالحالة الإنسانية في فنزويلا، حيث أن غرضها الوحيد، بالتصرف كما تصرف القراصنة الإنكليز قبل 200 سنة، هو الاستيلاء على غنائم الحرب، وهذا هو بالضبط الهدف النهائي للوحدة التي أنشئت سرا في وزارة خارجية المملكة المتحدة من أجل ”إعادة بناء“ بلدنا، على النحو الذي تم شجبه أمام هذه الهيئة في 20 أيار/مايو 2020.
وأخيرا، أرجو بكل احترام أن تبذلوا مساعيكم الحميدة، بصفتكم رئيس مجلس الأمن لشهر أيار/ مايو 2020، لتعميم هذه الرسالة على الدول الأعضاء في المجلس لإعلامها على النحو الواجب، وإصدارها بوصفها وثيقة من وثائق المجلس.