عام 1991 سلمت المخيمات الفلسطينية في الجنوب سلاحها الثقيل والمتوسط الى الدولة اللبنانية بعد مفاوضات شاقة بين مسؤولين لبنانيين كبار وقادة فلسطينيين ميدانيين على اتصال مستمر ومباشر بزعيم منظمة التحرير الفلسطينية وحركة “فتح” انذاك ياسر عرفات، وبعد اشكالات امنية عدة كادت ان تتسبب بمواجهات طاحنة. اما المخيمات الواقعة في المناطق اللبنانية الاخرى فلم تكن هناك مشكلة معها لاعتبارات عدة ابرزها وقوعها تحت سيطرة السلطة اللبنانية شكلاً وسيطرة القوات السورية الموجودة في لبنان فعلاً الأمر الذي حد من فاعلية السلاح الموجود فيها على تنوعه. لكن تسليم السلاح لم يحلّ مشكلة مخيمات الجنوب واهمها على الاطلاق عين الحلوة ذو الكثافة السكانية والفاعلية. ذلك انها بقيت خارج سيطرة السلطة اللبنانية الرسمية رغم الوجود المخابراتي الكثيف للأخيرة فيها وكذلك لغيرها، الأمر الذي حوّلها بؤرة في نظر البعض او دولة داخل الدولة في نظر البعض الآخر او ملجأ أميناً لجهات يعتبرها المجتمع الدولي ارهابية ولعدد كبير من المطلوبين الى العدالة لجرائم ارتكبوها سواء في حق لبنانيين او غير لبنانيين. اما السبب الاساسي لعدم حل المشكلة المذكورة فكان في الواقع اثنين: الأول، امتناع السلطة الرسمية اللبنانية عن التوصل الى اتفاق مع المنظمات الكبيرة في تلك المخيمات يضمن الوسائل الكفيلة باحترام السيادة اللبنانية والأمن اللبناني من جهة وامن اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فيها من جهة اخرى، وتوفير الظروف والاجراءات اللازمة لتمكين هؤلاء من العمل والعيش من دون ان يؤدي ذلك الى تسهيل توطينهم في لبنان. ومن الادلة المهمة على هذا الأمر قيام القادة الميدانيين الفلسطينيين في حينه بتقديم مذكرة الى الدولة اللبنانية تضمنت اقتراحات جدية حول كل المذكور اعلاه. لكن بقيت هذه المذكرة من دون جواب حتى اليوم. اما السبب الثاني فكان رغبة السلطة اللبنانية والسلطة السورية التي تولت ادارة لبنان مباشرة وعبر سلطاته ومعظم سياسييه منذ 1989 في ابقاء الوضع في المخيمات الفلسطينية الجنوبية على حاله لاسباب متنوعة لبعضها علاقة باستمرار الصراع مع اسرائيل ولبعضها الآخر علاقة باوضاع الداخل اللبناني وبالقدرة على توظيف هذه المخيمات او بعض المعنيين فيها لدفع هذه الاوضاع في اتجاه او في آخر ولبعضها الاخير علاقة برفض توطين الفلسطينيين في لبنان.
طبعاً، دعا لبنانيون كثر الى معالجة اوضاع المخيمات المذكورة. لكن أحداً في بيروت او في دمشق لم يتجاوب. فبقيت المخيمات على حالها وصارت الاحتجاجات على الاوضاع المزرية فيها فلسطينياً ولبنانياً موسمية ومرتبطة بحصول اعمال اجرامية او مخلة بالأمن كانت الشبهة فيها تتوجه الى فلسطينيين او الى غير فلسطينيين لاجئين اليها. الا ان التطورات المهمة التي حصلت في لبنان بعدما وضع المجتمع الدولي يده على القضية اللبنانية - أو بالأحرى بعدما عاد الى الاهتمام بها بعد سنوات من الاهمال والتلزيم لجهة اقليمية معروفة - وفي مقدمها قرار مجلس الأمن رقم 1559 وانسحاب سوريا عسكريا واستخباراتيا رسميا من لبنان، هذه التطورات اعادت فتح ملف المخيمات الفلسطينية في لبنان من جديد. ذلك ان احد بنود القرار المذكور يدعو صراحة الى نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية في لبنان والمقصود “حزب الله” اللبناني وفلسطينيو المخيمات.
كيف ينظر لبنان الرسمي وجهات لبنانية معنية الى موضوع السلاح الفلسطيني في لبنان اليوم؟ وكيف ينظر اليه الفلسطينيون في المخيمات وكذلك قادة تنظيماتهم الوطنية الموجودة في الخارج؟
يقول متابعون للبنان الرسمي والجهات المشار اليها جواباً عن ذلك إن هناك نوعاً من الربط الوثيق بين سلاح الحزب ومقاومته من جهة والسلاح الفلسطيني في لبنان من جهة اخرى. ويعزون الربط الى رفض توطين الفلسطينيين في لبنان الأمر الذي يفرض حكماً امرين: الأول، ابقاء السلاح بين ايديهم، اذ قد تتجدد الحاجة اليه في الصراع مع اسرائيل ولا سيما في ظل الهجمة الاميركية - الاسرائيلية الشرسة على لبنان وسوريا التي تقتضي تعاونا بل تنسيقاً بين كل الاطراف المستهدفين. والثاني، عدم تسهيل اندماج اللاجئين الفلسطينيين في المجتمع اللبناني خشية ان يدفعهم ذلك الى التخلي ليس عن حلم العودة المناقض للتوطين بل عن متابعة الكفاح بكل الوسائل لترجمته عملياً. ويقولون ايضاً ان الربط المذكور بين السلاحين “المقاوم والفلسطيني” هو لتبرير بقاء السلاح الاول الذي يبدو رغم كل الاشارات المخالفة ان اصحابه وحلفاءه وحماته متمسكون به.
اما الفلسطينيون او بالاحرى قادة الاتجاهات الكبيرة في صفوفهم فانهم يعتقدون ان الربط المذكور ليس واقعياً وليس في محله، رغم ان عدداً من القادة الفلسطينيين الميدانيين في لبنان تحدث عنه مركّزاً على وحدة المقاومة لاسرائيل بين الفلسطينيين واللبنانيين، وقد عبر رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس عن ذلك برسالة وجهها الى رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي الذي كان التقاه في البرازيل على هامش احدى القمم الدولية الفضفاضة والذي كان أكد ان فلسطينيي لبنان لن يتدخلوا في أي شأن لبناني على الاطلاق. وكما انهم «أي القادة المشار اليهم اعلاه» يتابعون وضع مواطنيهم في لبنان عن كثب. وقد زار لهذه الغاية لبنان قبل مدة قصيرة مسؤول فلسطيني رفيع كُلف ملف الفلسطينيين “اللبنانيين” هو عباس زكي وعقد على مدى ثمانية ايام لقاءات مع ممثلين عن كل اشكال الوجود الفلسطيني في لبنان ثم عاد الى بلاده مع دراسات مفصلة تبين طريقة التعاطي الفلسطيني في لبنان المفيدة والناجعة. ماذا في هذه الدراسة؟
يمتنع متابعو الوضع الفلسطيني في لبنان وخارجه من قرب عن الافصاح عن مضمونها. لكنهم يشيرون الى افكار واقتراحات مهمة فيها هي الآتية:
- اقامة سفارة فلسطينية في لبنان او ممثلية ديبلوماسية تتولى معالجة الكثير من مشكلات الوجود الفلسطيني فيه والعلاقة بين دولة لبنان و“دولة” فلسطين التي تعبر عنها حالياً السلطة الوطنية.
-قامة مرجعية سياسية – مدنية للوجود الفلسطيني في لبنان وتحديداً في المخيمات. وتتولى هذه البحث مع السلطات اللبنانية في كل الامور العائدة الى المخيمات بدءاً من السلاح ومروراً بسيادة لبنان عليها وانتهاء بتحولها ملاذاً للخارجين على القانون.
منح فلسطينيي المخيمات او بالاحرى اللاجئين نوعاً من الحقوق المدنية لا يسهل توطينهم بل يمكنهم من رفع مستوى حياتهم ويقلص فرص تحولهم خارجين على القانون.
ليس في المخيمات الفلسطينية سلاح ثقيل او سلاح متوسط اي لا آليات ولا “دوشكايات” ولا صواريخ. فيها سلاح فردي. وقاذفات الـ“ار.بي.جي” هي في رأي الفلسطينيين سلاح فردي وقد وافقت اميركا فيليب حبيب على ذلك أثناء مفاوضات ترحيل المقاتلين الفلسطينيين من لبنان بعد غزو اسرائيل له عام 1982. والسلاح الفردي موجود في كل لبنان. والسلطة لم تمنعه بل منعت الظهور به. وفلسطينيو المخيمات يمكن ان يحتفظوا به بل يجب ان يحتفظوا به لأنهم لا يشعرون بالاطمئنان وخصوصاً بعد ما حصل لهم في صبرا وشاتيلا عام 1982. طبعاً ، لا يعني ذلك بقاء المخيمات الفلسطينية ثكناً عسكرية، بل لا بد من تحويلها مدنية بالكامل ومنع المظاهر المسلحة والتشكيلات العسكرية وكل ما يمت اليها بصلة. وفي النهاية قد يكون الفلسطينيون في حاجة الى سلاح للدفاع عن النفس. وسلاحهم هو كذلك لأنه لا ينفع في مواجهة اسرائيل. ذلك ان مخيماتهم بعيدة من الجبهة معها. ولا يُسمح لهم بحرية العمل العسكري في المناطق اللبنانية. كيف يمكن التوفيق بين السيادة اللبنانية على المخيمات والوجود المسلح فيها بشقيها الجنوبي والشمالي – البقاعي؟
تكوين المرجعية المدنية، يجيب المتابعون انفسهم، كفيل بذلك سواء في المخيمات التي كانت خارج الوصاية السورية الرسمية او في المخيمات التي كانت تحت الوصاية. وتَشدُّد السلطة اللبنانية كفيل بذلك أيضاً. اذ ان كثيراً من المخالفات التي كانت تحصل وربما لا تزال تحصل في الجنوب «كهرب مطلوبين الى داخل المخيمات وربما اسلحة» كان يتم بعلم من سلطات معينة والآن بعد خروج سوريا من لبنان صارت معالجة “المشكلة” الفلسطينية فيه اسهل. علماً ان سوريا أظهرت اخيراً استعداداً لمساعدة الفلسطينيين وتحديداً سلطتهم الوطنية وقبولاً لإنشاء سفارة لها في دمشق.