انطلاقاً من أن الوصول إلى حقوق الإنسان هو مسألة جهد ونضال إنساني يومي يقوم على الرؤى والتفكير، يأتي هذا الكتاب عن حقوق الإنسان ليخلق تراكماً نوعياً في مجال رؤية حقوق الإنسان، وذلك مع الاتساع الأفقي والرأسي الذي شهدته الساحة العربية في العقود المنصرمة بالمطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فالاهتمام الحقيقي لا المزيف بحقوق الإنسان هودالة نهوض واستنهاض. وشاهد على حالة من الوعي وبخاصة في واقع عربي ما زال يبخس مواطنيه معظم الحقوق إن لم نقل جلها.
الكتاب «حقوق الإنسان:الرؤى العالمية والإسلامية والعربية، مركز دراسات الوحدة العربية، 2005» هونتيجة جهد إضافي من الانتقاء والتبويب لموضوعات ورؤى في مجال حقوق الإنسان تمتد على مدى عقدين من الزمن، بحيث يظهر وكأن الكتاب محكوم بهاجس دفع مسألة حقوق الإنسان إلى الواجهة، فثمة خوف يحرك العاملين عليه من طغيان مسائل الإصلاح الديمقراطي على حساب مسائل حقوق الإنسان والتي قد ترتد الى مرتبة ثانوية، من هنا نفسر التساؤل الذي يتصدر الكتاب :هل حلّت مسائل الإصلاح الديمقراطي محل مسائل حقوق الإنسان ؟ وفي رأيي أن التساؤل السابق هوتساؤل مصطنع مسكون بهاجس التضاد، فالغاية من الديمقراطية المنشودة هي تحقيق حقوق الإنسان السياسية والمواطنية وليس طمسها. وهذا ما تكفلت به الرؤى الثلاث التي تجيب بمعظمها بقول " لا " فلا يمكن لمسائل الإصلاح الديمقراطي أن تغيب مسألة حقوق الإنسان.
في رأيي، أن أهمية الكتاب الذي يضم مجموعة دراسات لأربعة عشر باحثاً عربياً، أنها تمثل بحق مداخل ورؤى عدة لمسألة حقوق الإنسان، وهذا ما دفع إلى تقسيم الكتاب إلى ثلاثة أقسام. وهذا ما يفرض على مراجع الكتاب أن تكون مراجعته انتقائية بمعنى أنه ينتقي من كل قسم دراسة أو أكثر تمثل الجهد الأوفر في مجال حقوق الإنسان دون أن تطمس حقوق البقية.
في القسم الأول الذي يضم مساهمات كل من مصطفى الفيلالي ومحمد فهيم يوسف ومحمد فائق. سوف أقف عند رؤية الفيلالي الموسومة بـ “ نظرة تحليلية في حقوق الإنسان من خلال المواثيق وإعلان المنظمات”. يؤكد الفيلالي أن معظم الوثائق الدولية والوطنية المقررة لحقوق الإنسان، نشأت وأبرمت بعد الحرب الكونية الثانية. انطلاقاً من “وثيقة الأطلس” بين روزفلت وتشرشل، وصولاً إلى “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” عام 1948 ، مروراً بعشرات الاتفاقيات التي شكلت مكتبة ضخمة وصلبة أصبحت المرجعية لمعظم حركات التحرر المطالبة بالحريات والحقوق والمقرونة بمنازعة السلطات الاستبدادية في كل مكان. وفي هذا السياق يعرج الفيلالي على مشروع الدستور الإسلامي1978 ومشروع رابطة العالم الإسلامي وعلى البيان الإسلامي العالمي الأول لحقوق الإنسان 1980، وبيان عن حقوق الإنسان في الإسلام 1980الصادر عن جامعة الكويت، وصولاً إلى الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي تولته جامعة الدول العربية 1993.
يؤكد الفيلالي أن الكثير من هذه المواثيق معطلة مرة بحجة الخصوصية ومرات بحجج عدة، من هنا قوله إن « لا عبرة بحقوق لا يتمتع بها أهلها، ولا بحريات معطلة عن الممارسة في الحياة اليومية» ومع استفاضته بالمعوقات التي تقف دون الوصول إلى الحقوق الكاملة، فإنه يرصد إلى جانب الأمية، ضعف الطبقة الوسطى الذي هو من أهم المعوقات الهيكلية لممارسة الحقوق والحريات. من هنا تأكيده في خاتمة البحث على أن الطريقة إلى حقوق الإنسان هوأن نعوّل على أنفسنا لا على المؤسسات الدولية ولا على الإيديولوجيات المستوردة.
في القسم الثاني الذي يضم الأبعاد الإسلامية. ويضم دراسات محمد عبد الملك المتوكل وعلي عيسى عثمان و“الإسلاميون وحقوق الإنسان” لرضوان زيادة و“حقوق الإنسان المتنازع عليه بين الغرب والإسلامي” لسامي أبوساحلية. يرى عبد الملك المتوكل في دراسته عن “ الإسلام وحقوق الإنسان” أن الإسلام بمبادئه السمحة قد شكل الدعوة الأولى واللبنة الأساسية لحقوق الإنسان. لأن الإسلام لا يميز بين البشر إلا على أساس التقوى، لكن الخوف كل الخوف، أن منهج المحافظة على الدين من قبل الغيّرين عليه، يمكن أن يكون القاع لأشد أنواع الطغيان والاستبداد، وهذا ما يفسر المقولة الشائعة من أن الإسلاميين يستخدمون الديمقراطية كجسر للوصول إلى أهدافهم ثم ينقلبون عليها. وهذا ما يسعى لأن يقطع معه المتوكل، فالإسلام كما يرى الكثير من المفكرين الإسلاميين «لم يهزم في ظل الحرية، وإنما انهزم في ظل الاستبداد، وهولا يحمى بسوط السلطان، وإنما بالقوة والرهان». من هنا أهمية الجهود النضالية والفكرية التي من شأنها كما يقول على عثمان إن تنقل حقوق الإنسان من حقل اللامفكر إلى حقل المفكر فيه والذي من شأنه أن يدفعنا جدياً إلى رؤية متكاملة حقيقية للإنسان وحقوقه.
في القسم الثالث الذي يضم الأبعاد العربية ويشمل مشاركات كل من محسن عوض وبرهان غليون وثامر محمد والصادق شعبان ومحمد عصفور وحسين جميل سوف أقف عند رؤية برهان غليون التي تقدم الجواب على التساؤل الذي طرحه الكتاب في المقدمة هل أن مسائل الإصلاح الديمقراطي يمكن لها أن تنشأ على حساب حقوق الإنسان ؟.
من وجهة نظر غليون المعنونة بـ "الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي: مشاكل الانتقال وصعوبات الديمقراطية "أن الديمقراطية وحقوق الإنسان هما في الواقع حركة واحدة، وذلك انطلاقاً من أن أصل الحديث عن الديمقراطية ووجودها في المجتمعات العربية مثل ما هوالحال في المجتمعات كافة، هوتأسيس الشرعية والتي تعني انبثاق السلطة عن إرادة الجماعة الوطنية عامة. وما يلحظه غليون هو ضعف الإرادة الجماعية الوطنية عامة بمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهويعزي ذلك إلى سمتين الأولى نخبوية القوى السياسية والثقافوية الرافعة للديمقراطية وحقوق الإنسان. والثانية السطحية والهشاشة النظرية والسياسية التي تطبع معظم المحاولات والمقالات التي تصدرها هذه النخبة. من هنا فهو يرى أن تطوير العمل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان يقتضي من المعارضة تطوير نفسها وسلوكها تجاه المجتمع وتعميق حوارها معه. وبالتالي الانفتاح على الرأي العام الذي تقوم هي ببنائه.
تعود أطروحة غليون إلى مطلع عقد التسعينيات من القرن المنصرم، ويهمنا هنا أن نستشهد بأطروحة محسن عوض المساعد الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان الذي يقدم لنا خلاصة سريعة كخبرة عملية لحال حقوق الإنسان والذي يرى أن حقوق الإنسان في الممارسة تسير من سييء إلى أسوأ، وبخاصة في ظل ما يسميها بـ "توحش" سلطات الدولة العربية، وكذلك فإن ما يجمعه بغليون وبمعظم المهتمين بالشأن العربي هوالبحث عن لغة مشتركة لحقوق الإنسان، والأهم تعميق الوعي بهذه الحقوق المهمة وذلك من خلال برنامج بحوث ومن خلال نضال يومي لم يزل بعيداً.