حزبان سوريان معارضان : واحد من اليسار و الثاني من اليمين . اتفقا على تشخيص واحد للوضع العالمي مفاده أن الحرية تعم العالم و أنه لم يعد هناك من مكان لأنظمة الاستبداد.....
ما هي صحة هذا التشخيص ؟
إن إطلالة بسيطة على المشهد السوري السياسي المعارض لنظام الحكم تعطيك نظرة تفاؤلية للعالم و للمستقبل . فأغلب أطراف المعارضة من اليمين إلى اليسار و ما بينهما ، ينظرون بتفاؤل إلى الظروف الدولية و يعتبرونها صارت مواتية لتحقيق أمال الشعب السوري بالحرية و الديمقراطية .
و تتمحور أغلب التحليلات حول أن العالم الذي يدعم الدكتاتورية قد تغير بعد أحداث الحادي عشر من ايلول سبتمبر حيث ، كما يقول البعض « اكتشفت أمريكا خطأ دعم الدكتاتوريات التي لا تفرخ غير الإرهاب لذلك قررت التخلص منها و بناء أنظمة ديمقراطية قادرة على مكافحة التطرف ». يأخذ هذا التحليل شكلا شكلاً فقط علميا رصيناً لأنه يعتمد لغة توصيف لا تدخل فيها للذات ، حيث أن القائل يوصف وقائع فقط ،و لا ذنب له إن كانت وقائع سعيدة و مفيدة بمحض الصدفة . فيقول بعضهم لك لا بأس إن تقاطعت مصالح الشعب مع أمريكا . لا بأس إن استفاد الشعب من الإرادة الدولية لمرة واحدة بعد أن سحقته مئات المرات .....
و بالتأكيد لا اعتراض لدينا على أن يستفيد الشعب و لو من الشيطان . لكن ما نريد مناقشته هل هذا التوصيف للواقع العالمي حقيقي ؟ هل صحيح أن العالم يتجه إلى فضاء “ الحرية و التعدد ” ، و “ أن شمس الحرية توشك أن تشرق ” ؟ و هل أن التحليل الذي يصل إلى النتائج السابقة هو تحليل علمي أم رغبوي لا علاقة له بواقع الحال ؟
هل صحيح أن الطلب على الاستبداد قد انخفض عالميا، كما يقول البعض ، أم أنه قد ازداد ؟
إن كل سؤال من الأسئلة السابقة ربما يحتاج إلى صفحات لنقاشه و تعداد وجهات النظر حوله لكن يمكننا أن نلتقط بسرعة ظواهر و أحداثا كثيرة تناقض التحليل السابقة لا بل تقدم صورة للعالم مختلفة جذريا عن الصورة الوردية ، التي يحاول البعض ،و هم طيف يمتد من اليمين الديني إلى اليسار الماركسي كما ذكرنا، رسمها للعالم .
في عام 1998 وقفت مذهولاً و أنا أشاهد كيف أن هذا العالم الشاسع الكبير ، الذي يضم خمس قارات و محيطات و بحار و جبال و أنهار و غابات ، قد صغر إلى حد أنه صار أصغر من خرم إبرة فعجز عن تقديم ملجأ لرجل واحد . شعرت أني أختنق و أنا أشاهد هذا الرجل ، الذي لا أتفق معه، و هو عبد الله أوجلان ينتقل بين الدول و المطارات من دمشق إلى موسكو إلى روما إلى كينيا و لا يجد قطعة ارض مساحتها مترين مربعين تضمه و في النهاية اصطادوه إلى السجن . كان هذا الحدث إيذاناً بدخول العالم مرحلة جديدة . لم يعد العالم قادرا على استيعاب أو تأمين الحماية و لو لرجل واحد طالما هو على خلاف مع الإمبراطورية أو أحد حلفائها و هذا حدث نوعي ليس له سوابق .
ثم كرت السبحة و زاد التضييق على كل مخالف فتقلصت مساحة الحرية في العالم أجمع حتى كان الحدث النوعي الثاني و هو أحداث 11 أيلول فانقضت الآلة الأمنية الغربية لتقمع كل مخالف لها حتى داخل مجتمعاتها ، فسنت أغلب الحكومات و على رأسها الولايات المتحدة قوانين طواريء بحجة مكافحة الإرهاب . صار السجن على الشبهة و دون توجيه تهمة محددة و لفترات تطول أو تقصر حدثاً عادياً داخل المجتمعات الغربية ، التي كانت تفتخر بحريتها . كما سنت الولايات المتحدة قانون الوطنية الباتريوت ،الذي هو قانون طواريء مثله مثل أي قانون طواريء موجود في العالم الثالث . فهو يبيح التوقيف بدون تهمة و بدون محاكمة و لفترات غير محددة و يبيح التنصت على اتصالات الأفراد و مراقبة بريدهم الإلكتروني و معرفة الكتب التي يشترونها أو يستعيرونها من المكتبات . لقد تغولت أجهزة الأمن بطريقة تذكر برواية 1984 فلم يعد الفرد أمينا على أي جزء من حياته الخاصة . و فرضت الولايات المتحدة قانون طواريء آخر على العالم كله فمن ليس معنا فهو ضدنا . و صار غزو الدول و إبادة شعوبها على مذهب الضربة الوقائية التي لا تحاسب على ما اقترفته الدول إنما على ما تنوي اقترافه ، أو على ما تفكر باقترافه ، أو على ما يوجد احتمال لتقترفه . و تعممت ثقافة المخابرات العالمثالثية و سجونها على كل العالم . فجرائم التعذيب في أبو غريب و معتقل غوانتنامو أدخلت العالم مرحلة جديدة مظلمة في تاريخه و لم يعد سادة البيت الأبيض يحتملون و لو كلمة واحدة مخالفة من قناة تلفزيونية . لقد حولوا كل القنوات إلى قنوات تلفزيونية حكومية عالمثالثية تسبح بحمدهم و تمجده .
العالم كله من الشمال إلى الجنوب و من الشرق إلى الغرب يعيش بحالة طواريء فعن أية حرية يتحدثون ؟ و كيف قل الطلب على الاستبداد ؟ و أين هي شمس الحرية التي توشك أن تشرق على العالم ؟؟!!!
إن العالم المعاصر الذي يستحق أن تكون صورة الرجل الموصول بأسلاك الكهرباء في معتقل أبو غريب رمزا له لا يمكن أن يكون عالماً قل فيه الطلب على الاستبداد !!!
هذا العالم يعيش أسوا فترات تاريخه من ناحية الحرية ، حيث يُحكم بنظام عالمي شبيه بنظام أرباتيد و له وكلاء محليين في كل بلد و كل منطقة من العالم يحكمون بموافقته ، و وفق طرائق حكم مستلهمة من طريقة تفكير حاكم العالم الأصلي ، أي الأمريكي . و لهم مطلق الحرية أن يفعلوا بشعوبهم ما يشاؤون شرط أن يفتحوا أسواقهم للرساميل و البضائع الغربية ، و ينفذوا بدقة ما يؤمرون به .....
يُنظر حكام العالم اليوم إلى أن خمس البشرية فقط حوالي مليار من يحق لهم العيش و الحياة يسمونه المليار الذهبي و هي تضم سكان شمال العالم و النخب الحاكمة في العالم الثالث و بعض المتنفذين و الوكلاء التجاريين أما البقية الباقية ، و هم فقط أربع مليارات ، فهم مزعجون لا أمل بدخولهم عصر العولمة و لا يستطيعون لا الإنتاج و لا الاستهلاك . و إذا سببوا متاعب للمليار الذهبي فيمكن للشرطة العالمية أن تؤدبهم عبر الإغارة على أكواخ الصفيح . و بعضهم يقترح إبادتهم بيولوجياً ........
هل هذا عالم يتجه إلى الحرية و يقل به الطلب على الاستبداد...؟؟!!