د. ثائر دوري
على موقع دورية العراقwww.iraqpatrol.com يوجد موضوع بعنوان " مشاريع الامبراطورية .. ألعاب ألكترونية" يتحدث عن لعبة كمبيوترية افتراضية تدعى “close combat:first to fight” تدور أحداثها في بيروت ، حيث تسيطر مجموعة أصولية على بعض مناطق بيروت مستغلة غياب رئيس الوزراء اللبناني فترد عليها مجموعة ثانية بالسيطرة على مناطق أخرى للدفاع عن الشرعية ، فتنشب حرب أهلية يليها تدخل سوري إيراني لدعم المجوعة الأصولية المتمردة على الشرعية،و هنا يتدخل المارينز لدعم الشرعية و تحرير بيروت من المحور السوري – الإيراني .و تنتهي اللعبة وفق الطريقة الأميركية “السعيدة” بأسر أو قتل المطلوبين، وانتشار الدبابات الأميركية في ساحة الشهداء.
يبلغ التطابق بين الواقع و العالم الإفتراضي في اللعبة حده الأقصى ، فاللعبة تستخدم أسماء الأماكن الواقعية مثل فرن الشباك ، و ساحة الشهداء ، أو تشير لأحداث له شبه في الواقع،مثل انقلاب قائد مجموعة مسيحية ليصير متعاوناً مع المحور السوري الإيراني !
و هذا التشابه مع الواقع يدفع للتساؤل هل هذه لعبة أم سيناريو حرب مقبلة ؟ و من هنا يصبح عنوان الموضوع كما سمته الدورية " مشاريع الامبراطورية .. ألعاب ألكترونية " مناسباً تماماً و يكاد يوصّف واقع الحال .
عندما بدأت أمريكا تعبث بأزمة دارفور صنعت ما يسمى "بالإبادة الجماعية" - على طريقتها المعهودة بتضخيم الأحداث ، و استنفار أجهزة الإعلام ، و تدخل المنظمات اليهودية ، ثم يلي ذلك ضخ إعلامي هائل و من أماكن متعددة كمنظمات حقوق الإنسان ، و منظمات الإغاثة ، و منظمات المجتمع المدني،و المنظمات التابعة للأمم المتحدة . و الأمر الذي لا يغفل عن عين أي متابع أن كل تلك المنظمات تنبع من نبع واحد و هو من يعطيها أشكالها و ألوانها و تسمياتها المختلفة ثم يطلقها لتختلق الأكاذيب أو لتضخم وقائع صغيرة لنسج أسطورة الإبادة الجماعية التي صارت طبخة معروفة المقادير و طرق المزج ، و تشكل الأكاذيب التي نسجت حول العراق و عن نظامه الوطني خلال ثلاثة عشر عاماً نموذجاً مدرسياً لمن أراد دراسة هذا النوع من تصنيع الأكاذيب و طرق صنع ما يسمى بالإبادة الجماعية- و بعد أن نضجت طبخة "الإبادة الجماعية" في دارفور كان لا بد من إضافة بعض البهارات كي يسهل ابتلاعها على من لا يهتمون بالسياسة ، و هم أغلبية الأمريكيين حيث لا يعرفون أين تقع دارفور و لايميزون بين آسيا و افريقيا . في هذا الوقت بالذات نزلت إلى السوق لعبة الكترونية اسمها "دارفور تموت Darfur is Dying" صممتها طالبة في جامعة جنوب كاليفورنيا اسمها Susana Ruiz ، و يمدنا موقع "البي بي سي" على شبكة الأنترنت بمعلومات قيمة عن كيفية ظهور هذه اللعبة و أمثالها من اللعب مما يجعلنا نكون فكرة عن كيفية إدارة الحقول الجديدة من وسائل الاتصال من القنوات الفضائية إلى ألعاب الفيديو وصولاً إلى شبكة الأنترنت .
كانت الطالبة سوزانا سابقة الذكر تعمل على إنتاج لعبة فيديو عن الإبادة التي حدثت في التسعينات في رواندا لكن عندما عرضت مشروعها على بعض أساتذتها سخروا منها ، و هذا أمر متوقع لأن الصراع في رواندا و الذي كان وقوده الأفارقة هو صراع فرنسي – أمريكي ، أي داخل البيت الإمبريالي لذلك ليس من المناسب ، أو لا مصلحة لأحد بانتاج لعب فيديو عنه في الوقت الراهن لا سيما بعد أن توصل طرفا الصراع إلى تقاسم جديد للنفوذ في تلك المنطقة . و بينما كانت سوزانا تركن مشروعها على الرف أعلنت منظمة تعمل في مجال حقوق الإنسان هي " Reebok Human Rights Foundation "و مجموعة الأزمات الدولية بالتعاون مع شركة MTV عن جائزة قيمتها خمسون ألف دولار لمن يصمم لعبة فيديو عن دارفور .
سمعت سوزانا بالفكرة فرجعت إلى لعبتها عن رواندا فأبدلت أسماء الشخصيات و المواقع لتدور أحداثها في دارفور و فازت بالجائزة ، و اللعبة توزع بشكل مجاني على أقراص مضغوطة أو على النت ، و يقول موقع البي بي سي أنه منذ اطلاق اللعبة في الشهر الرابع من عام 2006 و حتى منتصف الشهر السابع استخدمها 700 ألف شخص .
تتبنى اللعبة الرواية الأمريكية للصراع فعلى اللاعب أن يختار دارفورياً من الموجودين في مخيمات اللاجئين ليقوده عبر الصحراء إلى بئر الماء ليملأ خزان الماء ثم يعود به إلى المعسكر . و خلال الطريق قد يتعرض للقتل أو الخطف أو الاغتصاب على يد الجنجويد .
تقسم هذه الألعاب العالم بشكل مبسط ، و على طريقة جورج بوش ،إلى أشرار و أخيار . فالأخيار هم الذين يتبنون قيمنا،أو من يعملون بخدمتنا، أو أن قضيتهم تصلح للاستخدام في استراتيجيتنا الكونية ،أما ما عدا ذلك فهم الأشرار الذين يجب أن نقضي عليهم .
و الحدود بين العالم الافتراضي الذي تبنيه ألعاب الفيديو و بين العالم الواقعي لم تعد واضحة فقد تداخل العالمان بشكل مكثف لاسيما بعد تحول الحرب الحديثة إلى ما يشبه الألعاب الإلكترونية فكل ما يفعله المقاتل ، ملاح الطائرة على سبيل المثال ، هو أن يشير إلى نقطة على شاشة الكمبيوتر ثم يضغط على زر الإطلاق فيدمرها ، كما يحدث تماماً في ألعاب الكمبيوتر ، و هذا ما عبر عنه أحد الطيارين الأمريكيين بالقول إن ذلك يشبه عملية صيد البط البري . فالحدود بين الحقيقي الواقعي و المتخيل الوهمي لم تعد واضحة و هذه ظاهرة ليست جديدة بل إن جذورها ترجع إلى الاندماج بين هوليوود و السياسة في أمريكا فهوليوود باتت تغزو عالم السياسة و تصدر للولايات الأمريكية حكاماً و سياسيين .
بدأت القصة مع رونالد ريغان . ثم ظهر جيمس جنوس الذي حكم ولاية مينسوتا أواخر التسعينات ، و قد بدأ حياته كلاعب مصارعة حرة ثم معلقاً فاحشاً على مباريات المصارعة الحرة ، ثم ممثلاً سينمائياً ، و من ثم حارس شخصي (( بودي غاد)) لفرقة رولينغ ستونز و خاض برنامج الانتخابي تحت شعارات مثل :
(( حاكمنا يبطح حاكمكم )) و هو شعار طبع بكثافة على القمصان .
و اليوم يطل علينا بطل الأفلام السينمائية من الدرجة الرابعة ، أو أقل ، الممثل ذي العضلات المفتولة أرنولد شوارزنجر حاكم كاليفورنيا، الذي يقال في إحصائية مرشحة للزيادة ، أنه قتل في أفلامه حتى الآن 278 شخص . و أثناء حملته الانتخابية قال شوارزينجر في لقاء تلفزيوني لشبكة " سي أن أن" الأميركية مستخدماً أسلوبه الشهير في سلسلة أفلام "المدمر:
– أعرف أن في إمكاني تطهير البيت وأن أقول لغراي ديفيس ( الحاكم الحالي ) وداعا.
لم يعد الإنسان قادراً على التمييز بين الحقيقي و المتخيل و في وضع كهذا تصير حملة انتخاب حاكم لكاليفورنيا جزءاً من أفلام المدمر ، و حملة انتخاب حاكم لولاية مينسوتا جولة من مباراة مصارعة حرة " حاكمنا يبطح حاكمكم " . و في عالم كهذا يصبح القتل لعبة أتاري لكن ضحاياها ليسوا افتراضيين إنما بشر من لحم و دم