ما إن أعلن في توصيات المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث عن النية بإصدار قانون للأحزاب “إصدار قانون وليس السماح بتشكيل أحزاب”، حتى سمعنا وقرأنا عدة بيانات من شخص واحد أو عدة أشخاص بتشكيل اتجاهات أو أحزاب أو تكتلات، غايتها،كما أعلن أكثرهم، العمل الحزبي تحت سقف الديموقراطية والتعددية في سورية.
وإذا كان المواطن السوري بل وحتى الكتاب السوريون،ما لم يستعينوا بالإرشيف المكتوب، ليس بمقدور أحدهم استظهار أسماء أحزاب الجبهة التقدمية المنضوية تحت جناح حزب البعث الحاكم بسبب تشابه أسمائها، فهو عن استظهار التشكيلات الجديدة أعجز.
وقد كان آخر تشكيل تم الإعلان عنه من واشنطن يوم الأربعاء في 6 تموز الجاري تحت اسم “المجلس الوطني السوري” من أجل “التغيير الديمقراطي في سوريا”، وهو تشكيل لا يختلف عن غيره، من حيث أننا لا يمكن أن ندرك طبيعة تكوينه وتوجهه الأيديولوجي بمجرد قراءة اسمه فقط . فالاسم فقط غير كافٍ لكي يتميز عن غيره، ما لم يصدر برنامج عمل لهذا الحزب يميزه عن خيره ويضبط تصرفاته وفق البرنامج على أرض الواقع.
وكما أثيرت الاستفهامات عندما تم إشهار حزب الإصلاح الذي أسسه “فريد الغادري”، وقيل أنه “أحمد الجلبي السوري”، وأنه يستقوي على الوطن بأمريكا، ويسعى لغزو دمشق على ظهر دبابة أمريكية، فإن التعليقات ،التي صدرت عمن هم محسوبون على السلطة،لم توفر “المجلس الوطني السوري”، وحاولت أن تضعه في سلة واحدة مع حزب “الإصلاح الغادري”.
أعترف ابتداء أنه يصعب الدفاع عن حزب تشكل في واشنطن. وأن رموز هذا الحزب سوف يدفعون الثمن مستقبلا فيما لو تمت العودة إلى الحياة الديموقراطية بشكل أو بآخر في سورية. لأن هناك من سوف ينبش على جذور هؤلاء الرموز عند ما يتم الاحتكام إلى صناديق الاقتراع مستقبلا، وأول ما سيقال عن هذا الرمز أو ذاك أنه صنع في أمريكا.
ولكن في نفس الوقت لا يجوز المسارعة إلى إلقاء التهم جزافا بحق أي فصيل معارض، لمجرد أنه أعلن عن نفسه من أمريكا.فهو محكوم بأنه يعيش في أمريكا، والأمر الطبيعي أن ينطلق من الأرض الذي يعيش عليها. كما أنه لا يمكن أن يبدأ نشاطه انطلاقا من دمشق، ولا من أي دولة عربية أخرى، لأن هناك بروتوكول غير مكتوب بين الدول العربية، بحيث لا يسمح لأي حزب معارض لحكومته أن ينشط في دولة عربية أخرى.
ويتأكد هذا الحظر أكثر في حق أي حزب سوري معارض للنظام السوري وخصوصا في عهد الرئيس حافظ الأسد، بسبب قيام أجهزة الأمن السورية بملاحقة واغتيال المعارضين السوريين في الدول العربية وحتى الأوروبية كما حصل مع اللواء “محمد عمران” أول وزير دفاع بعثي، الذي اغتيل في بيروت في بداية عهد حافظ الأسد. كما تم في باريس اغتيال صلاح البيطار رئيس وزراء في أول حكومة بعثية بعد انقلاب آذار 1963 .
واستطرادا، فإن أي معارضة محظورة في وطنها، لا بد لها من حضور علني مسموحٍ به على الأرض التي تلجأ إليها، حتى لا تتحول إلى تنظيم يعمل تحت الأرض، وهو أمر خطير على الدولة المعترَض عليها وعلى الدولة التي يتم الانطلاق منها في عملية المعارضة.
ومع أن المعارضة المسموح بها غالبا ما تلتزم بقوانين الدولة المضيفة،وتتجنب صدور أي أمر يسيء إلى تلك الدولة، فإنه لمما يؤسف له أن كل الدول العربية لا تقبل أن تستضيف المعارضة ضد أي قطر عربي آخر انطلاقا من أرضها إلا كلاجئين. وعلى هذا فلم يبق أمام أي حزب أو فصيل إلا أوروبة أو أمريكا لممارسة نشاطه المعارض ضد النظام السوري.
نحن نشد على يد كل فصيل من المعارضة يرفض الاستقواء بأمريكا . بل إننا نرفض ونستنكر ونشجب ونندد وندين هذا الاستقواء أيا كانت دوافعه. وفي هذا السياق فقد كانت جماعة الإخوان المسلمين، ومعها ممثلو الفصائل المعارضة، أول من ندد بمن يستقوي بالأجنبي ،أياً كان جنسه، وقالت في مؤتمر لندن في آب 2002 : “إن من يفعل ذلك فقد هانت عليه نفسه”.
وفي السياق ذاته فقد نقلت دارالخليج في 8 / 7 / 2005 تصريحا للناطق باسم “التجمع الوطني الديمقراطي” في سورية الأستاذ "حسن عبد العظيم" “للخليج”، (رفض فيه التعاون مع المعارضة السورية في الخارج، لأن معظمها يستقوي بقوى خارجية مثل حزب الإصلاح الذي يتزعمه الغادري). وما لم يكن هناك خطأ في النقل عن لسان “عبد العظيم”، فلا يجوز أن نضع معارضة الخارج كلها في سلة واحدة، ثم ندعو إلى عدم التعاون معها لمجرد أن حزب “الغادري” يعارض من خارج سورية.
نحن نتفهم تحفظ الأستاذ “عبد العظيم”عمن يمد يده للأجنبي يستقوي به على حكومة بلده، مهما كانت سياسة تلك الحكومة.وكم كنا نتمنى أن ينسحب هذا التنديد على النظام السوري الذي طالما كان يستقوي بأمريكا، وألا يقتصر هذا التنديد على بعض الفصائل المعارضة، التي دفعتها ساعة يأس، فظنت أن الفرج يمكن أن يأتي من نافذة أمريكا.
نحن نعتقد جازمين بأن أمريكا لم تحزم أمرها بعد في إعطاء الضوء الأخضر في تغيير النظام السوري لأسباب كثيرة، لعل من أهمها عدم وجود البديل المقبول لديها، ولخشيتها من أن يكون البديل هم الإسلاميين الذين لهم رؤية تختلف جذريا مع رؤيتها في تغيير هذا النظام المتآكل، ولأنها عالقة في وحول العراق وتخشى أن تتصل هذه الوحول بوحول سورية.
أمريكا لا تريد إسقاط النظام السوري. وإلا لرفعت الغطاء عنه وتركته للشعب السوري بعد أن يصدر قرار من مجلس الأمن يمنح ملاذات آمنة للشعوب المستضعفة من أنظمتها. ولن يعدم الشعب السوري عندها الوسائل السلمية مثل الاعتصامات والعصيانات المدنية أو حتى القيام بالمظاهرات السلمية. وعندها سوف يسارع النظام السوري إلى توفيق أوضاعه مع الشعب قبل أن يكون لات ساعة مندم.
ولهذه الأسباب، وقبلها السبب الأهم وهو رفض الارتهان لمشيئة “الكاوبوي” الأمريكي، فإننا لا نخفي خوفنا من أن ينزلق البعض فيربط مراكبه مع سفن أمريكا. ولكننا في نفس الوقت لن نذرف الدمع إذا ما قامت أمريكا بقطع “الحبل السري” للنظام السوري، وهي التي وصلته من قبل. وفي هذا السياق لم يستدرك أحد على الأستاذ “رياض الترك” في مقابلة له مع إذاعة “سوا” قبل عامين عند ما سئل: إذا كان يتطلع إلى مصير كمصير صدام يحل بالنظام السوري؟ وكان جوابه أن الشعب العراقي كان في السالب ووصل بعد الاحتلال الأمريكي إلى الصفر.
ودون الدخول في مماحكات لا طائل تحتها حول شرعية المعارضة السورية أو عدم شرعيتها، فإن من حق أي مواطن سوري أن يسعى لإنهاء حكم حزب البعث الذي جاء بطريق غير شرعي عندما استولى على الحكم في سورية بانقلاب. ولذلك فلا معنى لأن يُتهم أي حزب أو أية جماعة بالإرهاب عندما تسعى بالوسائل الديموقراطية لإنهاء حكم حزب البعث الذي انقلب على الديموقراطية أكثر من مرة.
ولا يفوتنا أن نبدي استغرابنا مما ورد في حوار الرئيس السوري الأخير مع “نيويورك تايمس” الأسبوعية وخصوصا عندما قال:"إن الأمريكيين لا يفهمون العدو المشترك بين أمريكا وسورية، أي قوى التطرف الديني". فالمواطن مهما كان انتماؤه،قد يكون خصما ومعارضا لحكومة بلاده، بل وقد يعمل على إنهاء سيطرتها على الحكم.ولكنه أبد لا يكون عدوا مشتركا بين هذه الحكومة وحكومة أمريكا، إلا في حالة واحدة عندما تكون هذه الحكومة ،كما هي أمريكا، عدوّة للشعب.