لم أفهم سر الحملة الشعواء، التي شنها الكاتب ميخائيل عوض ضد المعارضة السورية في مقالته التي جعل عنوانها <<المعارضة السورية: من الأزمة إلى الإفلاس>>، ونشرتها <<السفير>> يوم 27 / 7 / 2005.
بعد قراءة المقالة، بدا لي أن الكاتب نفض يده من النظام السوري، لأن <<جدار مصالح القوى السائدة مقفل ومتحكم به ليمنع تداول السلطة حتى داخل النخبة والطبقات والفئات الحاكمة والمالكة والمسيطرة، ما يجعل الحالة مستعصية والمعالجة واجبة>>، كما يقول نصه. وبدا لي كذلك أنه بحث عن <<المعالجة الواجبة للحالة المستعصية>> عند المعارضة، فلم يجدها، فانهال عليها بالشتائم والتقريع، مثلما يفعل عاشق خاب فأله، أو اكتشف أن من يعشقه ليس في مستوى آماله وعواطفه. في هذه الحالة، هكذا فكرت، يكون اليأس من النظام قد بلغ به حداً جعله يبحث عن بديل له، وحين فشل في العثور عليه، اتخذ موقفا غير مفهوم: شتم المعارضة، مع أن شتمها لن يحولها إلى بديل يستطيع معالجة حالة النظام المستعصية، وقال لقارئه: إن النظام، رغم مواصفاته السيئة وحاجته الملحة إلى المعالجة، أحسن من معارضته، التي انتقلت خلال الحقبة القصيرة الماضية من الأزمة إلى الإفلاس.
هذه هي الرسالة التي وصلت، وكنت أود أن تتضمن بدل السباب المنفلت من عقاله، المليء بالنقمة والحنق، نقدا جديا، يشبه ولو من بعيد ما نمارسه نحن، كتابها والمنتسبين إليها، من أجل إظهار نقاط ضعفها وأخطائها، ووضع يدها عليها وتمكينها من تجاوزها. ذلك، في تقديري، كان سيجعل من مقالة الأستاذ عوض إسهاما في جهد عام يستهدف ترقية السياسة العربية، الرسمية والمعارضة منها، في لحظة حرجة جدا، لحظة سقوط، في تاريخ العرب المعاصر، يُجمع العقل السياسي العربي والرأي العام على أن المتسبب الرئيسي فيها هو النظام العربي وليس المعارضة، وعلى أن مشكلة العرب تتصل اليوم بالنظم أكثر مما تصل بالمعارضة، لا سيما أن النظم سحقت جميع أنواع المعارضة في بلدانها، أو أوصلتها إلى درجة من الضعف جعلتها عاجزة عن إخراج بلدانها من مأزق شامل تسببت هي فيه، مثلما هي حال سوريا ، حيث تمد المعارضة يدها للنظام بالمصالحة الوطنية، لكنه يتجاهل ذلك ويُمعن في نهج يؤمن معظم السوريين أنه يقود بلدهم إلى كارثة.
لماذا غير الأستاذ عوض رأيه في النظام السوري؟ هذا هو السؤال الذي طرحته على نفسي باهتمام وأنا أتذكر مصادفة جمعتني به في العام 2000 في مكتب محمود سلامة، وهو آنذاك صديقي الحميم والمدير العام لمؤسسة الوحدة للطباعة والنشر، التي تصدر جريدة <<الثورة>> في دمشق. بدأ السيد عوض، بمجرد أن عرف من أكون، هجوما مركزا على المجتمع المدني وحراكه حفل بلغة التخوين الأمنية، التي كان قد بدأ يستخدمها نظام دوخه المصطلح وأخافته نتائجه العملية في الدول الاشتراكية السابقة. بعد حوار قصير حول ما كان يجري في سوريا، عرضت خلاله وجهة نظري، نقل الأستاذ الحديث إلى فلسطين، جريا على عادة النظام وجماعته، وتحدث عن حزب الله ومعنى انتصاره على العدو بالنسبة إلى الصراع العربي الإسرائيلي، وقال إن هذا الانتصار أكد صحة الموقف السوري الرافض للتنازلات، وأولوية معركة تحرير فلسطين، وضرورة إخضاع كل شأن داخلي لها.
سألته إن كان يحكي بصورة جادة عن تحرير فلسطين، فقال إنه يملك معلومات حول قيام النظام ببناء ميزان قوى يجعل تحرير فلسطين على جدول أعماله اليومي. قلت: تقصد تحرير الجولان؟ رد بحزم: بل فلسطين. نحن قاب قوسين أو أدنى من تحرير فلسطين، الذي يمكن أن تنطلق معركته في أي لحظة، بينما أنتم تطالبون بتغيير من أنجز متطلباتها جميعها. قلت: يا عمي دخيلك ودخيل الله سامحونا. والله مبين نحنا ما عارفين شو صاير. صار كل ها الشي ونحنا ما حاسين، العمى!
ما الذي غير أولويات السيد عوض، وجعله يرى في النظام ما قاله في وصفه له كنظام هو حالة مستعصية واجبة المعالجة؟ أين صارت حكاية تحرير فلسطين؟ هل اكتشف أنهم كانوا يخدعونه في دمشق، فقرر البحث عن بديل لنظامها الذي كذب عليه، أزعجه أنه ليس موجودا فشتمه بالتجني الذي حفلت به مقالته؟ كيف أقنع الأستاذ نفسه أن المعارضة صارت فجأة مشكلة سوريا، مع أن مقالته ترجع الاستعصاء إلى النظام الذي <<يمنع تداول السلطة حتى داخل النخبة والطبقات والفئات المالكة والحاكمة والمسيطرة>>، كما يقول نصه بحق؟ ما الذي جعل الأستاذ يعتقد أن النظام صار مرشحا للتغيير بعد أن كان إلى ما قبل أعوام خمسة مقتنعا بأنه قادر على التحرير، وأن المطالبة بتغييره أو حتى إزعاجه خيانة وطنية؟
أسئلة كثيرة طرحتها على نفسي وعلى نص الأستاذ، الذي خلا من أجوبة عنها، وحفل بشتائم حانقة على المعارضة السورية، كأنها مسؤولة عما آلت إليه أحوال البلاد، أو كأنها هي التي خذلت الأستاذ وحالت بين النظام وبين تحرير فلسطين!