في بداية هذا الاسبوع سافر الرئيس السوري بشار الاسد الى طهران للقاء الرئيس الايراني الجديد محمد أحمدي نجاد و"المرشد الأعلى" أية الله علي خامنئي. حملت هذه الزيارة ذكرى من الماضي، فهي كانت تكراراً لأيام الثمانينات،عندما قام الرئيس حافظ الأسد ببناء روابط وثيقة مع اية الله في ايران وذلك لاثارة العراق وحماية سوريا من إسرائيل والولايات المتحدة.
صرح بشار في طهران بأن التعاون بين سوريا وايران والعراق سيكون " سداً في وجه المحتلين في المنطقة". ولكنه لم يشير الى أن العراقيين غير متعاطفين مع نظامه، بسبب إصراره على غض النظر عن الانتحاريين الاجانب الذين يعبرون سوريا لارتكاب الجرائم وقتل العراقيين المدنيين. ولم يقل أيضاً بأن السلطات الأمريكية والعراقية احتجزت حوالي 700 شاحنة سورية على الحدود السورية العراقية وذلك انتقاماً من سلوك سوريا.
كان الهدف من زيارة الأسد الى ايران هو صرف نظر ادارة بوش، ولكنها في الواقع كانت خطوة يائسة. لدى السوريين الكثير من المشاكل ، وهي حتى بدون الايرانيين تملك أصلاً الكثير منها. ففي الوقت الذي تنظر فيه كلا الدولتين بسعادة إلى تعثر الولايات المتحدة في العراق، يبدو هدف ايران النهائي هو تأسيس حكومة يسيطر عليها الشيعة ومؤيدة لايران، أما سوريا فهي تتعاون مع المجاهدين السنة الذين يسعون لتدمير ذلك المشروع.
ايران مهتمة جداً بدفع برنامجها النووي وذلك كي تصل جزئياً الى تسويات اقتصادية ايجابية مع أوربا، أما سوريا فقد ابتعدت بثبات عن الأوربيين، خاصة فرنسا وذلك بسبب سلوكها في لبنان.
ايران مهتمة اليوم قليلاً بالحوار مع واشنطن، أما استراتيجية سوريا بأكملها، سواء في العراق أوغيرها، فتقوم على إساس إظهار السوريين انفسهم للأمريكيين بأنهم لا يمكن الاستغناء عنهم، وعلى أساس ذلك يمكن استئناف الحوار.
تحركات الأسد تثير سؤالاً أساسياً، وهذا السؤال يزداد بروزاً اثر الاحباط المتصاعد لدى الأمريكيين في العراق: هل اصبح الصدام بين سوريا والولايات المتحدة حتمياً بشكل متزايد، وبالتالي سيمتد الصراع العراقي الى سوريا خاصة على الجهة السورية المحايدة للعراق؟
الفكرة السائدة اليوم هي أن لدى الامريكيين في العراق ما يكفي لينشغلوا به. وهذا يبدو معقولاً، ووفقاً لتقارير صادرة في العالم العربي، هذا بالتحديد ما يعوّل عليه النظام السوري: فهو من خلال سماحه للمجاهدين بالدخول الى العراق، يضيق الخناق لكي يظهر للولايات المتحدة فوائد التعاون.
ان نوايا أمريكا تجاه سوريا غير واضحة. وخلال لقاءاتي مع مسؤولين امريكيين رفيعي المستوى تشكلّ لدي احساس واضح بأنه لا يوجد سياسة دقيقة تجاه النظام السوري، عدا تصعيب الأمور قدر الامكان على الرئيس الأسد على امل أن تنهار قيادته. في ذلك الوقت كان الاعتقاد السائد هو ضعف الرئيس الشديد، خاصة بعد أن تم ارغام جيشه على الانسحاب من لبنان، وأنه لن يطول بقاؤه في هذا العالم. وليس هناك ما يدل على أن هذا المفهوم قد تغيير.
البعثيون يتفككون وهذا أمر لا يمكن نفيه، ولكن الأنظمة الاستبدادية يمكن أن تنهار ببطء. ليس هناك بدائل جدية لنظام الأسد خارج الدائرة الصغيرة المحيطة بقيادته، فالرئيس وحاشيته يحتكرون بشدة استخدام العنف. وفي الوقت الذي يكره فيه السوريون نظامهم الذي لا فائدة منه، الا أنهم يخشون من اندلاع الفوضى في بلادهم بعد زوال ذلك النظام كما حدث في العراق.
التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الامريكيون اصبحت أكثر تحديداً. فمنذ اسبوع وخلال الكلمة التي أكد فيها على أن سوريا " تمول دون أدنى شك التمرد في العراق"، حذّر وزير الدفاع دونالد رامسفيلد قائلاً:
"من الواضح أنه يتوجب على الولايات المتحدة والعالم خلق صورة أكثر وضوحاً في أذهان القادة في سوريا حتى يدركوا أن ما يفعلونه سيعود بالأذى عليهم أنفسهم بالنهاية. العراق سيبقى بجوارهم على مدى طويل من الزمن. والعراق يعتبر بلداً أكبر وأغنى وسيصبح اقوى. السوريون لا يتصرفون بحكمة في الوقت الراهن".
وفي اليوم نفسه أتى جون بولتون، سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، على ذكر سوريا وحث جميع الدول على" تنفيذ جميع التزاماتهم في ايقاف تدفق الاموال والاسلحة على الارهابيين، خاصة لايران وسوريا".
صحيح أن تلك التصريحات لم تكن تعني الحرب، ولكنها كانت كلمات قتال. كما أن الأسد لم يعد يستطيع الاعتماد على الصبر الأوربي. فعلى سبيل المثال، في المقال الرئيسي الذي نشرته صحيفة الحياة في الثلاثين من شهر تموز حذّر مسؤول فرنسي مرموق مجهول من أن استمرار سوريا في اساءة التصرف في لبنان قد تقودها الى فرض عقوبات عالمية عليها وعلّق قائلاً:
" سوريا في هذه الحالة غير مدركة أن السلوك الايجابي يقع في صالحها، وهذا يعني بأنها غير مدركة لأهمية الاتفاق مع جورج بوش وجاك شيراك حول لبنان، ولمدى تصميمهم على تشديد قبضتهم على سوريا في حال لم تبدي اهتماماً".
ولكن السؤال الحقيقي هو ما اذا كان الوضع الذي ستجد فيه الولايات المتحدة نفسها في العراق سوف لن يترك لها الكثير من الخيارات قريباًً. هناك منذ الآن قلق كبير من الجانب الأمريكي حول معبر نهر الفرات، والذي يتمكن المقاتلون الأجانب من خلاله من الدخول من سوريا. بعد موت 22 من جنود البحرية الأسبوع الماضي قامت القوات الأمريكية والعراقية بتنفيذ عملية واسعة في المنطقة. كما أعلن السوريون أن حراس الحدود من جانبهم يتعرضون لإطلاق نار بشكل مستمر من قبل القوات الأمريكية والعراقية. قد يكون هذا الكلام كذباً، لكن إدارة بوش سعيدة لإبقاء الوضع متأزماً بالنسبة للنظام السوري لاعتقادها أنه لا يقوم بما يكفي لضبط الحدود مع العراق.
ضمن هذا الإطار سيكون من الممكن الافتراض بأن الجهود الأمريكية في المنطقة الحدودية سوف تتصاعد في حال لم يطرأ تحسن في ضبط تسرب المقاتلين الأجانب. قد لا يكون المتسللون من الحدود وحدهم عاملاً هاماً في تحريض التمرد، وقد يكون العامل المحرض الحقيقي هو ما يقوم به الإيرانيون.
إنها إيران هي التي تشكل تهديداً بعيد المدى للمخططات الأمريكية في العراق أكثر مما تفعل سوريا. والإيرانيون هم الذين يقومون بهدوء بإنشاء نظام سياسي يكون بديلاً عن النظام الذي يفضله الأمريكيون، وهم يفعلون ذلك مع عدد كبير من الأشخاص أنفسهم الذين تعتبرهم الإدارة الأمريكية حلفاء لها. يأتي السوريون ليزيدوا الوضع اشتعالاً، لكنهم في الوقت نفسه غير قادرين على إقامة نظام عراقي قابل للاستمرار بحيث يستطيعون السيطرة عليه. وباعتبار أن الولايات المتحدة لا تملك الوسائل ولا السلاح الكافي لكي تجابه إيران عسكرياً، لا في منطقة الحدود ولا غيرها، لذلك فإنها قد تفضل أن تقوم بضرب سوريا بدلا من ذلك.
هل تعتقدون أن هذا الكلام غريب؟ ربما، ولكن نقل الصراع إلى مسرح أكثر ملائمة قد يكون أمراً مغرياً بالنسبة لدولة بحاجة لنجاح عسكري، خاصة إذا كانت تفكر بسحب جزء من قواتها. ربما تفكر إدارة بوش أن تقوم أولاً بتصفية حسابها مع سوريا، من أجل استعادة سيطرتها على العراق، وللقضاء على السيطرة الإيرانية المتزايدة هناك. يجب أن نأخذ بالاعتبار أن سوريا ضعيفة بينما إيران ليست كذلك. ليس لدى سوريا حلفاء مخلصون بينما إيران لا تزال تعتبر دولة يمكن القيام بمبادلات تجارية معها، كما أن القضاء على الهجمات الانتحارية حجة واضحة ومقنعة، في حين أن القضاء على النفوذ الإيراني هو مطلب حرج وأقل وضوحاً بكثير.
مثل هذا المنطق لا يختلف بكثير عن أسلوب إدارة نيكسون، على سبيل المثال، في كمبوديا عام 1969. فقد قامت الولايات المتحدة بقصف الملاجئ في كمبوديا التي تؤوي الفيتناميين الشماليين لكي تمنع دخول القوات والأسلحة إلى جنوب فيتنام، مما جر هذا البلد المحايد إلى كارثة. حصل هذا بعد أن فاز نيكسون بانتخابات عام 1968 بناء على خطة لسحب القوات من فيتنام، وقد اعتبر هذا القصف على أنه جزء من جهود الانسحاب.
الصراع مع سوريا لن يكون على الأغلب بنفس القدر من الحدة. لكن غياب سياسة واضحة لدى الإدارة تجاه سوريا، وبالنظر إلى تهور سوريا في التعاون مع الجهاديين، والتهديد الإيراني المتزايد للخطط الأمريكية في العراق، يضاف إلى ذلك الصراع النووي الدائر، والانزعاج الأمريكي المتزايد بالتطورات الجارية في العراق، كل هذا قد يجعل إجراء تغيير جذري هو الخيار المفضل بالنسبة للإدارة. إذا حصل هذا فسوريا ستكون الهدف الأكثر احتمالاً، حتى لو بدا الأمريكيون متجهين بشكل رئيسي نحو إيران.