تقوم مراكز بحث كبيرة في العالم بإجراء استقصاءات رأي عام بخصوص صورة الإسلام في العالم، لا سيما الإسلام الراديكالي أو المتطرّف. هذه الاستقصاءات قد أصبحت دورية منذ ما بعد أحداث 11 أيلول 2001. يحار المراقب في الوصول الى قناعات علمية ثابتة حول نتائج تلك الاستقصاءات. وحيرته لا تأتي من شك في الصدقية العلمية لتلك الأبحاث، بل من مدى تعبيرها عن ثوابت في النتائج التي تتوصّل إليها.
أمامي الآن نتائج بحث استقصائي قام به مركز أبحاث أميركي )retneC hcraeseR weP( وأُعلنت نتائجه في الأسبوع الأخير من الشهر الفائت. أُجري الاستقصاء على عيّنة مؤلّفة من 17 ألف شخص في 17 دولة غربية وعربية وإسلامية. تمحورت الأسئلة حول النظرة الى الإسلام المتطرّف، وعلاقة الأديان بالعنف، والأولوية التي يعطيها الإنسان الفرد لانتمائه الديني أو القومي، وغير ذلك...
تساءلت بعد قراءتي نتائج هذا الاستقصاء: لو أُجري هذا الاستفتاء بعد أحداث العنف في أنفاق مترو لندن، وأحداث شرم الشيخ الأخيرة، أما كانت تأتي بعض نتائج على الأقل مغايرة للنتائج التي أتت بها في الوقت الذي أجري فيه الاستقصاء؟
مع ذلك، سأتوقف عند بعض نتائج هذا الاستقصاء داعياً الى التفكير فيها واستخلاص العبر.
(1) سكان أكثر من دولة إسلامية بدأوا يعبّرون عن قلقهم من تنامي الإسلام الراديكالي وانعكاسه على بلدانهم. هذا ما عبّر عنه الذين أجري استفتاؤهم في المغرب العربي (وبنسبة 73 في المئة)، وباكستان (52 في المئة)، وتركيا (47 في المئة)، وأندونيسيا (45 في المئة). وحدهم سكان لبنان (وبنسبة 66 في المئة)، وسكان الأردن (وبنسبة 87 في المئة) لم يعتبروا أن الإسلام الراديكالي يشكّل تهديداً لبلديهم. بينما كل الدول الغربية، وبنسب متفاوتة، تقول أن الإسلام الراديكالي يشكّل خطراً على أمنها. وتصل أعلى نسبة في تلك الدول الى 84 في المئة (روسيا والهند) وأدنى نسبة 37 في المئة (بولونيا) وقبلها كندا (56 في المئة).
(2) معظم سكان الدول العربية والإسلامية رأوا أن الهجمات الانتحارية (ونسمّي نحن بعضها استشهادية) التي يذهب ضحيتها مدنيون أبرياء هي غير مبرّرة على الإطلاق (أو بعبارة أخرى: غير مبرّرة شرعاً). ونجد أن هذا الرأي قد تعزّز كثيراً في العام 2005 مقارنة مع ما كان عليه في العام 2002، خصوصاً في المغرب ولبنان. وقد يعود هذا الأمر الى أحداث عنفية جرت في البلدين المذكورين بعد العام 2002.
إلاّ أن البلد الوحيد الذي يختلف بالرأي حول شرعية الأعمال العنفية التي تطال مدنيين هو الأردن. فقد رأى 26 في المئة من الأردنيين أن مثل هذه الأعمال قد تكون مبرّرة مقابل 11 في المئة لم يروا ذلك. قد يعود السبب في هذا الأمر الى ربط الأردنيين الأعمال الاستشهادية بما يجري في فلسطين المحتلة.
كما أن العراق يشكّل حالة خاصة في هذه المسألة. فاستناداً الى هذا الاستقصاء، نصف سكان المغرب، ولبنان، والأردن، يبرّرون العمليات الانتحارية الموجّهة ضد الأميركيين وحلفائهم الغربيين في العراق. بينما لا يشاطر هؤلاء الرأي أكثرية الذين تمّ استفتاؤهم في تركيا والباكستان وأندونيسيا.
(3) أما في ما يتعلق بجذور الإسلام الراديكالي فإن النظرة الى هذا الأمر تختلف من بلد الى آخر. معظم الدول العربية والإسلامية ترى أن أسباب بروز الإسلام الراديكالي تأتي من الفقر، والبطالة، وضعف أو غياب المؤسسات التربوية. إلاّ أن العديد من سكان لبنان والأردن والذين تمّ استفتاؤهم رأوا أن أسباب بروز الإسلام الراديكالي تأتي كردّة فعل للسياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط.
(4) أظهرت نتائج الاستقصاء أن هناك تراجعاً ملحوظاً في مساندة سكان الدول العربية والإسلامية لأسامة بن لادن.
(5) معظم سكان الدول العربية والإسلامية يعتقدون أن تطبيق الديموقراطية أمر ممكن في بلدانهم. والأكثر اقتناعاً بهذا الأمر هم سكان لبنان والمغرب والأردن وأندونيسيا. إلاّ أن سكان باكستان وتركيا يعربون عن شك في إمكانية تطبيق الديموقراطية في بلدهم.
(6) مسألة دخول تركيا في الاتحاد الأوروبي كانت حاضرة في هذا الاستفتاء. وتبيّن أن بعض دول أوروبا تخشى دخول تركيا في الاتحاد الأوروبي بسبب الإسلام الراديكالي. وبعضها الآخر يخشى دخولها لأنه يعتبر أن ذلك سيحدث تغييراً في الهوية القومية. أو بسبب أيضاً تدفّق العمال الأتراك الى دول أوروبا.
(7) وعن سؤال بشأن علاقة الأديان الإبراهيمية الثلاثة بالعنف، رأى سكان الدول الغربية أن الإسلام هو أكثر عنفاً من المسيحية واليهودية. ورأى اللبنانيون، وبنسبة 66 في المئة، أن اليهودية هي الأكثر عنفاً، والأتراك أن المسيحية هي الأكثر عنفاً بنسبة 46 في المئة، واليهودية بنسبة 20 في المئة. أما الباكستانيون، وبنسبة 51 في المئة، والمغربيون، وبنسبة 83 في المئة، فقد قالوا أن اليهودية هي الأكثر عنفاً.
(8) ماذا يحدّد انتماء الإنسان، الدين أم الوطن؟ العنصر الأكثر تحديداً لانتماء الإنسان هو الدين الإسلامي بالنسبة للباكستانيين (وبنسبة 79 في المئة) وللمغربيين (70 في المئة) وللأردنيين (63 في المئة) وللأتراك (43 في المئة) وللأندونيسيين (39 في المئة). وحدهم اللبنانيون من بين البلدان العربية والإسلامية التي تمّ استفتاء سكانها مارسوا التعدّدية في الإجابة على هذا السؤال. فرأى 39 في المئة منهم أن الإسلام والوطن معاً هما اللذان يحدّدان الانتماء، و30 في المئة منهم رأوا أن الوطن هو الذي يحدّد الانتماء، و30 في المئة رأوا أن الإسلام هو الذي يحدّد الانتماء.
(9) يبقى أن نشير الى أن صورة الإسلام بالنسبة لسكان الدول الغربية الذين تمّ استفتاؤهم هي أفضل مما كانت عليه في استقصاءات سابقة.