ثمة فوارق محسوسة بين الزيارة الاولى التي قام بها الرئيس السوري بشار الاسد الى طهران في كانون الثاني 2001 والزيارة الاخيرة، وذلك لاختلاف السياقات الاقليمية والدولية التي جرت فيها الزيارتان، ونتيجة للتسارع الهائل وغير المضبوط للمتغيرات الاقليمية والجيوسياسية، والتي باتت تدفع البلدين في اتجاهات ومسارات متغايرة، ان لم تكن متنافرة.
وبرغم حرارة الترحيب الذي ابدته طهران بضيفها السوري، سياسيا واعلاميا والتصريحات الرنانة التي اطلقها الرئيس الايراني الجديد محمود احمدي نجادي، وخاصة تلك التي عبر فيها عن وحدة المصير، الناتج عن وحدة مصادر التهديد التي يواجهها البلدان، وكذلك تكامل ادوارهما واهميتها في دعم استقرار المنطقة، الا ان سياسات البلدين وتوجهاتهما المنسجمة عمليا مع مصالحهما، باتت تنطوي على كثير من التفارق والاختلاف.
ظاهريا، يواجه البلدان مخاطر وفرصا تبدو متماثلة في الجوهر وفي الشكل، كما انهما يواجهان استحقاقات ملحة على الصعد الداخلية والاقليمية، الا ان الخلاف بينهما يكمن في منهج المعالجة كما في ترتيب الاولويات.
من حيث المنهج تتميز سياسة ايران الخارجية بكونها ليست تابعة لعوامل داخلية في الاساس، بقدر ما هي انعكاس للوضع الدولي الذي قد يفرض تغيرات ومؤثرات معينة. وهو الامر الذي لطالما ترجمته ايران في التغييرات المهمة في سياستها وتركيبتها الهيكلية، لتعزز في النهاية تكييفات معينة في سياستها وسلوكها الخارجي، كما ان صناعة قرار السياسة الخارجية في ايران مسألة معقدة تخضع لاعتبارات اقتصادية واجتماعية وقانونية (دستورية) وسياسية، وليست نتاج عوامل ايديولوجية وحسب، كما يراها الناظر من الخارج.
على الجانب السوري، وبرغم ما يشاع عن براغماتية السلوك الخارجي السنوي، الا ان سياسة سوريا الخارجية محكومة باعتبارات ومؤثرات ايديولوجية تشكل في مضمونها جزءا من النسق القيمي والمنظومة العقائدية، والاهم، الركيزة الشرعية التي يستند اليها النظام في مواجهة بيئاته الداخلية الخارجية، الامر الذي لا يمنحه المرونة الكافية التي يمتلكها النظام الايراني، الممأسس برغم من هيمنة الملالي على المشهد السياسي في ايران.
اما من حيث ترتيب الاولويات، فالواضح ان اولويات ايران تتركز على تعزيز القدرات الداخلية، سواء عبر المساومات التي تجريها بشأن ملفها النووي، بهدف تعزيز قدراتها التكنولوجية والدفاعية، او عبر التحرك الداخلي صوب المجتمع الايراني، لتأمين اكبر قدر من الانسجام والتوافق، في حين تبدو اهم اولويات سوريا في المرحلة الحالية الحفاظ على دورها الاقليمي، الذي يعد في نظر صناع القرار في سوريا، اهم المكاسب التي حققتها بلادهم في العقود الماضية، كما انه ورقة سوريا الاهم لعبور مستقبل تبدو اشتراطاته صعبة وشائكة.
انطلاقا من هذه الخلفية، المتعاكسة، وعلى اساسها، بدا التمايز واضحا في استجابة البلدين "مخرجات سياستهما الخارجية" تجاه التطورات التي يواجهانها، وخاصة على الصعيد الاقليمي، وتحديدا في الملفات الحيوية بالنسبة اليهما: العراق، ولبنان. ففي الوقت الذي استطاعت ايران بناء تفاهمات معينة لتطوير العلاقة مع السلطة القائمة في العراق. واخذت تجذر مصالحها فيه اقتصاديا وثقافيا، فان الامور بين سوريا والعراق ما زالت عالقة في المربع الامني، حيث تسيطر الشكوك في النيات والاهداف على علاقات الطرفين، ولا يبدو ان في الافق ثمة مبادرة من الطرفين للانتقال بالعلاقة الى مستويات افضل.
كذلك الامر بالنسبة للعلاقة مع لبنان، حيث تعمل الديبلوماسية الايرانية على طرح نفسها كحليف للدولة اللبنانية بمختلف تكويناتها السياسية والاجتماعية، وان عبر بوابة "حزب الله" الذي باتت تدعوه للتكيف مع الواقع اللبناني الجديد، عبر المشاركة في الحياة السياسية والخضوع لاستحقاقاتها، في حين ان الوضع مع سوريا يأخذ مسارا مختلفا وخاصة لجهة الاشتراطات السورية بتوافق التطلعات اللبنانية في السيادة والاستقلال مع مصالح النظام السياسي في سوريا، وحماية دوره واثره الاقليمي.
وهكذا يبدو جليا ان ثمة مفارقات معينة، بدأت تظهر على سطح العلاقات بين البلدين، وفي العمق من توجهاتهما وخياراتهما، الامر الذي من شأنه ان يؤسس لخلافات وتناقضات مستقبلية، انطلاقا من اختلاف مصالح الطرفين، بحيث تصبح توجهات طرف وسلوكاته في ساحة من ساحات الفعل المشترك، مضرة بمصالح الطرف الآخر، وهو الامر الذي قد يكون عناه الرئيس بشار الاسد بطلبه من القادة الايرانيين "وضع تصور مشترك سوري – ايراني بشكل يتوافق مع مصالح الدول الاخرى في هذه المنطقة".