بالامس دعانا ناجي العلي الى السهرة في مكتب عبد الله حموده ، وكان حنظلة غريبا في اختيار ضيوفه ، من شيخ المناضلين الذي يتحدى الثمانين الى اطفال لم يبلغوا الثمانية .
كله كان جميلا ، مؤثرا وبليغا ، يعيدنا الى الدلالات التي نعرف ولا نريد ان ننسى . الى كون ذكراه هي رهان الصراع بين الحياة والموت ، حياة امة وموت قضية .
الاحتفال الجميل في بساطته هو اكثر من رسالة . بصوت ابرهيم نصرالله او بصوت اعضاء فرقة بلدنا . وانا العطشى الى هذه الاصوات بعد اشهر طويلة خارج الوطن اغرق في حس واحد ، يختصر كل شيء : الموت مستحيل ، واليهود ومن وراءهم مجانين لانهم يراهنون على انهاء هذا الشعب ، اسار لهدى فاخوري بحسي فترد : مجانين واكثر ، ماذا سيفعلون على المدى البعيد مع هؤلاء؟ _نصرااله كان يقرا شعرا عن امه وابيه ومن خلالهما عن كل القضية ، امه التي انجبت عشرة . وربتهم زارعة في دمائهم شجرة بلاد لم يروها لكنهم رسموها كلمة ولوحة لكل الاخرين صغارا وكبارا . _وفرقة بلدنا تغني باصوات شباب عمرهم اصغر من عمر اخر نكبة على ارض فلسطين . بل وربما كان بعضهم رضيعا عندما كان اطراف اوسلو يتبادلون الكؤوس . _غير ان المشهد الذي يشدني من كل ما حولي هو امر صغير ، صغير ، طفلة لم تتجاوز الثلاث سنوات ، تجلس على كرسي مستقل ، وتتابع الاغاني الوطنية مصفقة بايقاع دقيق ، لم تنزل ، لم تتحرك ، لم يتبلبل تركيزها . وموج من حنان ومن رؤيا يلفني ، اراها بعد عشر سنوات تقف فوق المنصة ، تنشد معهم ، عبارة بسيطة لن تتغير : فلسطين بلادنا .
اطفالنا هؤلاء منذورون لاقدار اكثرها مر ، لحفر مفتوحة قبل اوانها ، تثيرها الاغاني ، لشجن والم ومرارت ، لكنهم منذورون ايضا للحياة ، والا لما استمر الصراع ، ولما تفجر كل بضعة اعوام من حيث لا ندري ولا نتوقع .
والحياة مصرة على ان تعبر عن نفسها عبرافراد هذا الشعب العنيد ، مرة بالموت ومرة بالحب ، مرة بالبندقية ومرة بالعود ، مرة باللوحة ومرة بالكلمة . لكن دائما بعناد .
هل نسينا ان سبب الاحتفال كله هو ذاك الفنان الذي خلق حنظلة فحوله الى رمز قال به كل القضية ، ليس القضية الفلسطينية فحسب وانما القضية العربية كلها . _ هل حقا مات ناجي العلي ؟ _لمن يقول نعم ان يجيب على سؤال ابسط : ولماذا نحن هنا هذا المساء ؟ _ وكيف يربي رجل مات قبل سنوات طويلة هذه الطفلة التي لم تتجاوز الثلاث سنوات ؟