تتواصل ردود الفعل على الساحة السياسية الإسرائيلية عقب اتفاق كل من تل أبيب وإسلام أباد على تطبيع العلاقات بصورة مبدئية بينهما، وهو الاتفاق الذي أبرمه كل من وزير الخارجية الباكستاني ’’خورشيد قصوري’’ ونظيره الإسرائيلي ’’سيلفان شالوم’’•
وعلى الرغم من الفرحة التي عمت الأوساط السياسية في تل أبيب نتيجة لهذا اللقاء إلا أن عددا من التقارير والدراسات الإسرائيلية المصغرة التي وضعت بعده اعترفت أن طريق السلام بين الطرفين صعب وغير ممهد خاصة وأن هناك عددا كبيرا من الصعوبات التي من الممكن أن تنسف هذا الطريق من الأساس •
المعهد السياسي العام في القدس أصدر في الثاني من شهر سبتمبر تقريراً مطولاً تناول فيه جملة هذه الصعوبات ، وهو التقرير الذي حمل عنوان ’’ إسرائيل وباكستان•••طريق مليء بالصعاب’’ ووضعه عدد من كبار الخبراء في المعهد مثل البروفيسور أيلي أيفين أستاذ العلوم السياسية في جامعة تل أبيب ، وشلومو منور أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا بجانب عدد من القادة العسكريين وصغار الباحثين السياسيين•
ويلقي التقرير الضوء على الصعوبات السابق ذكرها والتي تواجه طريق السلام بين الطرفين الإسرائيلي والباكستاني، مشيراً إلى أن هذا الطريق مليء بالألغام السياسية التي من الممكن أن تنفجر في أي وقت الأمر الذي يوجب ضرورة الحذر من أي خطوة تتخذها إسرائيل على هذا الطريق•
يهود باكستان
بداية يوضح التقريرأن من أبرز المصاعب المشار إليها هو الاحتجاجات المتواصلة التي يقوم بها العشرات من اليهود ذوي الأصول الباكستانية ممن هاجروا إلى إسرائيل أو للعديد من الدول الأخرى منذ الإعلان عن هذا التقارب الإسرائيلي- الباكستاني •
ويوضح أن هناك عددا كبيرا من اليهود ممن كانوا يعيشون في شبه الجزيرة الهندية عموماً استقروا في باكستان بعد تقسيم الهند عقب انتهاء الاحتلال البريطاني لها وتقسيم شبه الجزيرة الهندية إلى دولتين وهما الهند وباكستان، وتركز هؤلاء اليهود في عدد من المناطق الباكستانية مثل سيلونتيان وجيداد والمناطق المتاخمة لجبل سليمام الواقع في غرب باكستان •
ويزعم التقرير وبناء على المعلومات التي استقاها من الموسوعة اليهودية العامة ’’ هاإنسكلوبيديا هايهوديت هاكلاليت ’’ أن يهود باكستان لم يأمنوا الحياة في إسلام أباد وذلك في ظل المد الإسلامي بها وشعورهم بأنهم لن يجدوا الحرية التي كانوا التي كانوا يأملونها في هذه المنطقة ، الأمر الذي دفعهم لترك باكستان والذهاب إلى عدد من الدول الأخرى المجاورة وعلى رأسها الهند حيث منحتهم بريطانيا جوازات سفر بريطانية لتسهيل دخولهم إلى هناك وعدم مضايقة أحد إليهم أو الاتحاد السوفييتي وجمهورياته المختلفة أو إسرائيل نفسها •
وتزعم الوكالة اليهودية في تقريرها السنوي الذي يرصد مشاكل اليهود عبر العالم أن يهود باكستان لهم ملايين الدولارات لدى حكومة إسلام أباد يجب أن تعاد لهم ، ويطالبون باستعادتها هي والفوائد التي جنتها الحكومة منها•
المثير أن هؤلاء اليهود يعملون على ضرورة المطالبة بهذه الحقوق ، وقاموا بالفعل بتقديم طلب بهذا الشأن إلى الرئيس الباكستاني برويز مشرف أثناء اجتماعه الأخير مع الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة ، وهو الطلب الذي أكدت عدد من التقارير الصحفية الإسرائيلية أن برويز تعهد بدراسته جدياً مع اهتمامه الشخصي بهذه المسألة •
ويدعي هؤلاء اليهود أن الحكومة الباكستانية استغلت ممتلكاتهم منذ القدم وحققت أرباحاً من ورائها حيث أنهم كانوا يعملون في التجارة في الأساس وحققوا أرباحاً طائلة منها ،الأمر الذي يوجب ضرورة استرداد هذه الممتلكات أو دفع تعويض مادي مضاعف عنها بعد إقامة العلاقات بين الطرفين الإسرائيلي والباكستاني مباشرة•
وتزايدت حدة هذه المشكلة تعقيداً عقب تقديم ما يسمى ب’’ اتحاد اليهود في شبه الجزيرة الهندية’’ - وهو الاتحاد الذي يتخذ من القدس مقراً له- طلبات بهذا الخصوص إلى رئيس الوزراء إرئيل شارون ووزير الخارجية سيلفان شالوم وعدد من أعضاء الكنيست يطالبون فيها بضرورة البحث في قضايا التعويض التي يستحقونها قبل أي تحرك سياسي تقوم به إسرائيل تجاه إسلام أباد•
الهند••ويهودها
ثاني هذه المصاعب التي يشرحها التقرير هي العلاقات مع الهند حيث توقع عدد من القادة العسكريين السابقين في الجيش الإسرائيلي أن يؤدي هذا التقارب الإسرائيلي مع باكستان إلى توتر العلاقات مع الهند خاصة وأن العلاقات بين إسلام أباد ونيودلهي ليست على ما يرام في الأساس ، وذلك بسبب صراعهما الدائر على إقليم كشمير وعدد من القضايا العالقة الأخرى مثل الملف النووي وسباق التسلح العسكري المشتعل بين الطرفين•
ويوضح التقرير أن هذه المشكلة باتت في منتهى الخطورة حيث أن إسرائيل تولي أهمية خاصة للهند وتعتبرها إحدى أهم الدول الواجب توثيق العلاقات معها في القارة الآسيوية •ويحذر اللواء المتقاعد ’’عوزي بن أهارون’’ نائب رئيس الجبهة الشمالية الأسبق في كلمه له في التقرير من أن إسرائيل ستخسر كثيراً حال توثيقها العلاقات مع باكستان على حساب الهند خاصة مع وصول العلاقات بين الطرفين الهندي والإسرائيلي إلى مرحلة متقدمة للغاية في العديد من المجالات ، على رأسها المجال العسكري حيث أن هناك أهدافاً مشتركة بين الطرفين ساهمت في توثيق هذه العلاقات ، ومن أبرز هذه الأهداف محاربة الإرهاب ، حيث كونا ما يطلق عليه ب ’’مجموعة العمل’’ الهندية الإسرائيلية (هٌّي) الموكلة بمكافحة العنف والتطرف، وهي الهيئة التي حققت إنجازات مهمة في مجال التعاون الأمني بين تل أبيب ونيودلهي •
ومثال ذلك إقليم كشمير الذي سربت عدد من التقارير الصحفية الإسرائيلية أن هناك زيارات قام بها عدد من المسؤولين العسكريين الإسرائيليين إلى هذا الإقليم لمساعدة نيودلهي في حربها ضد الجماعات الإسلامية المنتشرة فيه •
ويضيف بن أهارون أن إسرائيل تمتلك خبرة كبيرة وطويلة في حرب الشوارع وتدريب وتجهيز وتشغيل الوحدات السرية الخاصة وانتشارها في البلدات والقرى الفلسطينية لجمع المعلومات الاستخبارية، الأمر الذي انعكس على الهند التي رأت أن أفضل مساعد لها في حربها ضد المتمردين في الإقليم هو الخبرة الإسرائيلية التي تتميز في مثل هذه النوعية من الحروب ، مع قدرتها على خفض خطر الكمائن واستخدام المشاة وكشف الألغام المموهة على الطرق•
ويكفي ما ذكرته صحيفة هاارتس في عددها الأسبوعي الأخير من أن باكستان كانت تعلم أن العديد من الأجهزة التي استخدمتها القوات الهندية في حربها بالإقليم كانت إسرائيلية في الأساس •
ويوضح أنه ومهما كان الثمن الذي من الممكن أن تجنيه إسرائيل من وراء السلام مع باكستان فلا يجوز أن يؤثر ذلك على مسار العلاقات الإسرائيلية الهندية، خاصة وأن هناك عدداً من القوى السياسية الهندية التي أعربت عن قلقها من التقارب الإسرائيلي الباكستاني الأخير•
بالإضافة إلى إعراب العشرات من اليهود من ذوي الأصول الهندية عن غضبهم من هذا التقارب الإسرائيلي الباكستاني ، حتى أن نائب رئيس جماعة ’’ يهود الهند في إسرائيل ’’ ’’ شلومو أغان’’ أعرب وفي بيان له نشرته عدد من المواقع الإسرائيلية عبر الويب عن غضبه الشديد من هذا التقارب معتبراً أنه بمثابة إعلان للحرب على الهند•
وطالب ’’أغان’’ تل أبيب بضرورة التروي قبل اتخاذ أي خطوة في هذا الطريق خاصة وأن الهند عانت بشدة مما وصفه ب’’ السياسية الأصولية الباكستانية’’ ، وهي المعاناة التي طالب ’’ ’’أغان’’ إسرائيل بعدم تكرارها مرة أخرى •
ثالث هذه الصعوبات التي يشير إليها التقرير هو ما أسمته ب’’ الكراهية الشعبية الباكستانية ضد إسرائيل ’’ وهي الكراهية التي تسيطر على أغلب الباكستانيين وتجعلهم لا يوافقون على تطبيع العلاقات مع إسرائيل ، ولعل حالتي الغضب والحنق الكبيرتين التي سيطرت على قادة الحركات الإسلامية ذات الشعبية الكبيرة في باكستان بعد الاتفاق الإسرائيلي الباكستاني هي أكبر دليل على ذلك •
ويوضح أن القوى الإسلامية الرافضة للتطبيع مع إسرائيل تسيطر على توجهات الشارع الباكستاني بقوة، الأمر الذي يفرض ضرورة التروي في دراسة أبعاد هذه العلاقة قبل المضي قدماً فيها•
ويضيف أن الإسرائيليين حتى وأن تم تطبيع العلاقات بصورة كاملة مع باكستان فلن يستطيعوا زيارة إسلام أباد بصورة طبيعية خاصة في ظل سيطرة القوى الإسلامية على الشارع هناك وشعورهم بأن إسرائيل مازالت تقتل الفلسطينيين وتحتل المسجد الأقصى وتنتهك المقدسات الإسلامية من دون أي احترام للمشاعر الإسلامية •
قوى إقليمية
وبعيداً عن هذه الاعتراضات التي ينقلها هذا التقرير والتي توضح أن طريق السلام بين إسلام أباد وإسرائيل ليس مفروشاً بالورود حسب زعم المسؤولين في تل أبيب •عكس هذا الاتفاق بين الطرفين بروز عدد من القوى الإقليمية الجديدة التي باتت تمارس دوراً مهماً في العملية السياسية، ومثال ذلك تركيا التي استضافت هذا الاتفاق والتي أكدت عدد من التقارير الصحفية الإسرائيلية أنها باتت المركز الأساسي الذي سيتم ومن خلاله تطبيع العلاقات بين الدول الإسلامية وإسرائيل ، وهو المركز الذي تتوجه إليه الأنظار بإسرائيل أملاً في أن يساهم مستقبلاً في تحقيق المزيد من ’’ التطبيع الإسلامي’’ ، وهو المصطلح الذي بات يتردد بقوة في وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ اللقاء الباكستاني الإسرائيلي الأخير•
بالإضافة إلى نجاح إسرائيل في بناء علاقات وثيقة مع عدد من أهم الدول الآسيوية الواقعة في وسط وغرب قارة آسيا ، وهي العلاقات التي تمثل أهمية كبيرة للوجود الإسرائيلي في هذه القارة ، والتي تتزايد أهميتها مع تكوين إسرائيل لمحور قوي من العلاقات في هذا الجزء من القارة بداية من الهند والصين والجمهوريات السوفييتية ثم باكستان ، وهو ما جعل التقرير يزعم في نهايته أن إسرائيل كونت تحالفاً آسيوياً صديقاً هي في أمس الحاجة إليه في هذه المرحلة التي يمر بها العالم •
وفي الأخير فإن هذا التقرير يعكس الصعوبات التي يمتليء بها طريق التطبيع الإسرائيلي الباكستاني ، وهي الصعوبات التي يبدو وباعتراف إسرائيل أنه لن يتم التغلب عليها بسهولة خاصة في ظل سياستها العدوانية ليس فقط ضد الفلسطينيين بل ضد العرب بصورة عامة•