إذا كان مفهوم الشرف حاملاً اجتماعياً تتمركز فيه وتتناثر على أطرافه الكثير من المعاني والدلالات والمضامين وهو أيضاً خاصَّاً ونسبياً فلماذا تأتي جرائم الشرف عامة ومطلقة ؟ .
إذا كان مفهوم الشرف حاملاً اجتماعياً تتمركز فيه وتتناثر على أطرافه الكثير من المعاني والدلالات والمضامين وهو أيضاً خاصَّاً ونسبياً فلماذا تأتي جرائم الشرف عامة ومطلقة ؟ . بل إن المحاكمة أو الفرضية إن صح التعبير التي لا يتدخل بها المنطق لا من قريب ولا من بعيد هي اختلاف واضح بالاتجاهات، والمعتقدات والقيم.. وائتلاف أوضح بالعواقب والنتائج .. جريمة الشرف عند الفرقاء بالإجماع هي جريمة شرف وفقط.
تضج يومياً قاعات المحاكم بالكثير الكثير من جلبة المرافعات وتختنق الجلسات كلها برائحة جرائم الشرف، والسؤال الذي يطرح نفسه باتجاهين متعاكسين هو من أعطى تلك المحاكم سلطة التداول بذاك النوع المثير للجدل من القضايا الاجتماعية بهذا الابتذال ! . وبانعكاس لهذا السؤال تظهر فجوة استفهامية كمربع حوار اعتراض : كيف ستتمكن سلطة المحاكم تلك من إيجاد حلّ وإنهاء وضع لحالة اجتماعية متناقضة،إذا كان المخزون التراكمي الاجتماعي للقضاة ولحضور الجلسات السابقة الذكر يصوِّر طرفا الواقعة وبشكل صريح أو ضمني بقاتل بجبر على القتل "وفي أعماقهم " كصائن للشرف بطلاً، وضحيةً آثمة خاطئة وغائبة "تستحق القتل .. " وتنتهي المداولات التي لا هدف منها ولا توجه لها بحكم المحكمة: "قضية شرف.. " منتهية ....
إذاً القتل لغاية الشرف هو نوع خاص جداً من القتل وكأن القتل له درجات وأنواع واستثناءات . القتل هو القتل بكل أشكاله .. اغتصاب وسلب لحقوق الآخرين في الحياة وتقرير مصـائرهم، وهو بمعنى أدقَّ شذوذ عن الطبيعة الإنسانية والبشرية مهما كانت دوافعه وأطرافه ...
الأمر الآخر هنا هو ثقافة الوصاية ....
أُعطيت للرجل وعلى طبق من فضة سلطة بابوية عريقة،وتغلغلت في عقول وسلوك أفراد تلك المجتمعات الهشة المنغلقة ثقافة الوصاية على سلوك المرأة. عورة المرأة جسدها كاملاً دون استثناء، تحركاتها، تفكيرها، ثم اختزلت وجوديتها بكلمة واحدة "الشرف ..".
إذا أردنا أن نسقط تلك الكلمة على واقعنا علينا استخدام أدوات ومكونات ومؤثرات هذا الواقع وهذه النزعة على حد سواء. فإذا كانت الأديان الكتابية التي عرفتها مجتمعاتنا الشرقية هي دليل عمل و أداة للرجل في صون ورعاية ما سنسميه مجازاً بالشرف فلتكن الحجة من جوهر الدين بذاته في صورتين بسيطتين جداً تنعكس كأدلة قاطعة على نقض ما فرضناه مسبقاً بالشرف :
ـ تُرجَم المرأة الزانية ... وفي حادثة طارئة يظهر المسيح قائلاً "من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر ... "، ولمَّا تنهار الوصايا العشر .
ـ تأتي امرأة إلى محمد تحمل في أحشائها ابن زنا فيمنع رجمها لِئَن تضع مولودها، تعود به رضيعاً فيمنع رجمها لِئَن تفطمه، وتعود إلى رسول الله بطفل متشرد منبوذ من مجتمعه وأهله فيقسم على تركها وشأنها تربي ابنها وتحسن نشأته ويحررها من الحدّ دون أن تسقط حدود الله الخمس ؟! .
أين حَمَلَة الأديان من تلك الأديان ؟ لماذا تَزجُّ البشرية نفسها في الدرك الأسفل من القمع والسلب لأقدس حق نشأ حيث ولد الإنسان هو ( حق الحياة ) .. وبأي حق .؟؟ ويظل مفهوماً
مرفوضاً ومتوحشاً هذا الذي فرض نفسه متناقضاً باسم"الشرف.. " .