في محطات فك الإشتباك في الجولان عام1974، والدخول السوري إلى لبنان(1976)، وحرب الاجتياح الاسرائيلي للنان (1982)، وانشقاق منظمة التحرير (1983)، وفي أزمة الكويت1990-1991)،ومؤتمر مدريد (1991)، استطاعت المعارضة السورية الديموقراطية،بشقيها القومي والماركسي،أن تضع السلطة على يمينها في القضايا التي أثارتها تلك المحطات المفصلية أوترافقت معها .
تغير ذلك كله في مرحلة مابعد سقوط بغداد: لم تظهر مفاعلات هذا التغير إلافي السنتين الماضيتين، والذي كان ناتجاً عن انزياحات ايديولوجية عند الكثيرمن الماركسيين السوريين باتجاه الليبرالية وجدت لها ترجمات سياسية عدة، إلاأن ذلك كان يمكن تلمسه قبل سنوات عديدة عند بعض هؤلاء ممن يملكون اسشرافاً سياسياً أوقدرة على فهم ان التحول الفكري-السياسي هو في رزمة مواقف وليس مفرداً أومحدداً في قضايا د ون اخرى ، مثل رياض الترك الذي أطلق مواقف جديدة تجاه «التسوية» ومن قوى في المجتمع الإسرائيلي لما دعا إلى «مواقف ايجابية من القوى الإسرائيلية المعا دية للصهيونية والعنصرية «، ووصل إلى اجتهاد انبنى على مسلمة، يبدو أنها كانت عنده يومها، بأن محادثات التسوية ستنجح) بأنه « في ظروف التسوية المقبلة ستسود حال من الهدوء النسبي من شأنها ان تضعف الطروحات العنصرية والصهيونية والاستيطانية... وربما أخذ الصراع العربي الاسرئيلي أشكالاً جديدة تدخل في باب الصراع الحضاري (جريدة «الحياة» في 17/1/2000) ، وهي مواقف تتعارض مع كل ماأخذه الحزب الشيوعي (المكتب السياسي) من مواقف حيال الموضوع ،ومنها افتتاحية «نضال الشعب» (العدد199، أوائل كانون أول / ديسمبر 1977 ) والتي وردت فيها هذه العبارة تعليقاً على زيارة السادات للقدس :»ففي الظروف الراهنة وفي ظل ميزان القوى الراهن (هل أصبح أفضل في القرن الجديد؟ لاتوجد تسوية عادلة وأخرى غير عادلة... هناك فقط تسوية واحدة وحيدة يفرضها ميزان القوى المائل لمصلحة اسرائيل والإمبريالية الاميركية»، فيما نجد في بيان الألف، وهو الوثيقة التأسيسية للجان المجتمع المدني الصادرة في الشهر الأول من عام2001، تركيزاً حصرياًًعلى الأوضاع السورية، فيما كان الوضع العربي في وضعية المسكوت عنه هو والموضوع الفلسطيني، وكأن سوريا جزيرة معزولة.
في العقد ونصف العقد بين سقوطي موسكووبغداد،حصلت تخمرات كثيرة تحت السطح عند الكثير من الماركسيين السوريين، وجدت لها ترجمة واضحة بعد 9نيسان (أبريل) 2003 في شق ايديولوجي(الليبرالية) وفي آخر سياسي (المراهنة على الخارج الأميركي الذي أصبح حاضراً اقليمياً، لتغيير الأوضاع الداخلية)، والحقيقة أن من يقارن مواقف هؤلاء الراهنة،حتى ولو كان بعضهم مختلفأً في السابق مع السوفييت، وطريقة تعاملهم مع المركز الدولي الجديد لليبرالية - لايمكنه الا أن يستعيد طريقة تعاملهم السابقة مع موسكو، والتي ظلٌ حتى مخالفيها الماركسيين بمعظمهم ينظرون إليها بمثل نظرة الكاثوليكي ،المحروم كنسياً، والذي يظل يقبل بتماهي الكاثوليكية والفاتيكان.
استطاع هؤلاء، في السنتين الماضيتين، أن يفرضوا جواً جديداً على المعارضة السورية عبر طروحاتهم المستجدة، بحكم هيمنتهم الثقافية عليها، فيما لايقاومهم سوى المحتفظين بماركسيتهم،بينما يأخذ القوميون المعارضون (حزب الاتحاد الإشتراكي العربي الديموقراطي) موقفاً متفرجاً تجاه أطروحات الليبراليين الجدد السوريين، وإن كان مع احتفاظه بمواقفه القومية والوطنية ورفضه الإستقواء بالخارج: البدء بطرح طروحات تنادي بـ «وطنية سورية جديدة «تسكت عن عروبة سورية، مواقف جديدة حيال مواضيع (فلسطين) و(التسوية)،الإقتراب من الأحزاب الكردية بعد تباعد، استمر عقود حكم الرئيس حافظ الأسد، بين المعارضة السورية وتلك الأحزاب ،المسيُرة من الطالباني والبرزاني وأوجلان الذين كانوا متحالفين مع السلطة السورية - التحالف معها سياسياً وعدم مقاومة أطروحاتها إذا لم يكن الأمر أبعد من ذلك عندما أصبحت مقولات «الشعب الكردي في سورية» و»المسألة الكردية في سورية» ذات طابع «عادي» عند الكثير من المعارضين السوريين فيما لانجد أي ربط عند هؤلاء لأحداث القامشلي بسقوط بغداد والحقائق السياسية الموجودة في أربيل والسليمانية، بينما نجد مواقف هؤلاءالمعارضين السوريين ،من ليبراليين جدد وأكراد،تتقاطع وتتلاقى مع اصطفافات معينة (وضد أخرى) في بغداد وبيروت وغزة، وتلتقي مع جو دولي جديد أو تجد نفسها في خندق آخر بمواجهة (القطب الواحد).
في جلسة (منتدى جمال الأتاسي) الأخيرة في أيار (مايو) الماضي عندما ألقيت كلمات القوى السياسية السورية، كان هناك غياب واضح ل(فلسطين) و(العروبة) و(هوية سورية العربية) مقابل طغيان وظهوربارز للأطروحات الكردية (وأيضاً الآشورية)، وكأن هناك عودة إلى أطروحات مؤسس الليبرالية السورية الجديدة،النائب رياض سيف، حول كون سورية «لوحة فسيفسائية»،دون الأخذ بواقع أن العرب يشكلون تسعة أعشار السكان (لايشكل الفرس أكثر من66 في المئة من سكان ايران)، ولم يكن تعليق أحد الأصدقاء، بعد حضوره لجلسة المنتدى آنذاك، من أن «العروبة يتيمة في عاصمة الأمويين» ببعيد عن تكثيف جو تلك الجلسة لذلك المنتدى الذي يحمل اسم أحد أعلام الفكر القومي العربي الحديث.