رغم ما تحقق للجالية العربية الأميركية من إنجازات في ربع القرن الأخير وظهور العديد من المنظمات النشطة التي جعلت للعرب الأميركيين صوتاً سياسياً يُسمَع، ويُدعى لشهادات في الكونغرس أو للقاءات في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية، فإن العلاقة الخاصة التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل تجعل السياسة الأميركية تسير في خط معاكس للمصالح الأميركية العربية المشتركة وللحقوق العربية، وبذلك تزداد صعوبة عمل العرب الأميركيين أمام الأذرع الأميركية الممدودة لاحتضان اللوبي الإسرائيلي.
ان اللوبي الإسرائيلي في أميركا يتعامل مع علاقة واحدة خاصة هي علاقة إسرائيل بأميركا بينما تتعامل المؤسسات العربية الأميركية مع علاقات عربية أميركية متشعبة ومختلفة لأكثر من عشرين دولة عربية,أن العرب الأميركيين يتعاملون مع واقع عربي مجزأ بينما يدافع اللوبي الإسرائيلي عن كيان واحد هو إسرائيل, إن نجاح «اللوبي الإسرائيلي» لا يعود سببه فقط إلى بداية اليهود لعملهم السياسي في أميركا قبل مئة عام أو أنهم أكثر عطاءً بالتطوع والمال، فالعنصر المرجح لكفة اللوبي الإسرائيلي إنما سببه أن أميركا نفسها ليست طرفاً محايداً يتنافس عليه العرب من جهة و بعض اليهود من جهة أخرى, فأميركا أسهمت منذ البداية في الاعتراف بالكيان الإسرائيلي وزودته وما زالت تزوده بكل إمكانات التفوق النوعي على الدول العربية.
لكن ذلك لا يعني رفع «الراية البيضاء» من قبل العرب الأميركيين فدورهم مطلوب الآن وبشكلٍ أكثر فعالية من أي وقتٍ مضى، وإذا اجتمعت جهودهم مع جهود المسلمين الأميركيين (وأكثريتهم من غير الأصول العربية) الآخذة في التنامي، فقد يشكلان معاً تحدياً قوياً أمام اللوبي الإسرائيلي.
لكن هناك مقارنة خاطئة تتكرر أحياناً في الإعلام العربي والفكر السياسي العربي وهي مقارنة حال العرب في أميركا بحال اليهود الأميركيين, فالواقع أن «العرب الأميركيين» هم حالة جديدة في أميركا مختلفة تماما عن الحالة اليهودية, العرب جاؤوا لأميركا كمهاجرين حديثاً من أوطان متعددة إلى وطن جديد، بينما اليهود في أميركا هم مواطنون أميركيون ساهم العديد منهم في إقامة (إسرائيل) في قلب المنطقة العربية، أي عكس الحالة العربية والإسلامية الأميركية وما فيها من مشكلة ضعف الاندماج مع المجتمع الأميركي,حال العرب في أميركا مختلفة أيضا من خلال الأوضاع السياسية والاجتماعية، فكثير منهم جاء مهاجراً لأسباب اضطهاد سياسي أو عوز مادي، وأحياناً بسبب حالات أمنية تعيشها المنطقة العربية، مما يؤثر على نوع العلاقة بين العربي في أميركا والبلدان العربية, بينما حال العلاقة بين اليهود الأميركيين وإسرائيل هي حال من ساهم في بناء هذه الدولة وما زال يدعمها.
أيضاً، ليس هناك حال من التنافس الموضوعي بين الطرفين على المجتمع الأميركي, أي ليس هناك مؤسسات رسمية أو إعلامية أميركية محايدة تتنافس عليها الجالية العربية مع الجالية اليهودية، فعدد كبير من المؤسسات الإعلامية الأميركية هو مملوك من يهود أميركيين أو على صداقة خاصة مع إسرائيل، وهذا بذاته يجعل المقارنة غير عادلة.
من ناحية أخرى، فأن لدى العرب الأميركيين أزمة تحديد الهوية ومشكلة ضعف التجربة السياسية، وهي مشاكل لا يعانيها اليهود الأميركيون, فلقد جاء العرب إلى أميركا من أوطان متعددة ومن بلاد ما زالت فيها الديموقراطية تجربة محدودة, إضافة إلى أثار الصراعات المحلية في بلدان عربية على مسألة الهوية العربية المشتركة.
أن الجمعيات العربية الأميركية التي تأسست على مستوى أقل من هوية وطنية أو عربية (كأبناء بلدة أو قرية)، هي أقوى بكثير في مجال العضوية من الجمعيات الوطنية أو المنظمات ذات الصفة العربية,
إضافة لذلك، علينا أن نميز بين «الأميركيين من أصول عربية»، وهم أبناء الجيل المهاجر الأول الذين اندمجوا كلياً في المجتمع الأميركي، وبين «العرب الأميركيين» وهم أبناء الأجيال التالية التي لم تذب تماما ولكنها مندمجة بقوة في الحياة الأميركية، وهناك أيضاً «عرب في الولايات المتحدة» وهؤلاء هم المهاجرون الجدد الذين لم يصبحوا بعد من المواطنين الأميركيين اذ ما زالت أولوياتهم تتمحور بشأن أوضاعهم المعيشية والقانونية، ويصرفون وقتهم في مسائل تثبيت الوجود وليس البحث عن دور فعال في المجتمع الجديد.
وبينما نجد غالبية الفئة الأولى أي «الأميركيين من أصل عربي» من دون تواصل مع البلاد العربية الأم، نرى أن الفئة الأخيرة (أي المهاجرون الجدد) غير متواصلة مع المجتمع الأميركي، ولكل من هذه الفئات طبيعة علاقة مختلفة مع المجتمع الأميركي والمؤسسات العربية فيه.
أضف على ذلك أيضاً، تعدد الانتماءات الدينية والطائفية في الجالية العربية, البعض مثلا يندفع نحو منظمات دينية وهو ما يستبعد النصف الآخر من الجالية العربية, وبعض الجالية يتقوقع مذهبياً وعائلياً سواء بسبب منطلقات خاصة به أو انعكاساً لما يحدث في المنطقة العربية,فالجالية العربية والجالية الإسلامية تنتميان إلى أصول وطنية ودينية متنوعة، إذ إنَّ ما يقارب نصف تعداد الجالية العربية هم من أتباع الديانة المسيحية، وينتمون في
أصولهم الوطنية إلى بلدان لبنان وسورية والعراق وفلسطين ومصر والأردن، بينما أكثر من نصف عدد الجالية الإسلامية (حوالي 7 ملايين) ينتمون في أصول أوطانهم إلى بلدان غير عربية (من بلدان آسيا وأفريقيا غير العربية) إضافةً إلى عددٍ من الأميركيين الذين اختاروا الإسلام ديناً لهم ومعظمهم من الأميركيين السود.
إن أكثر من نصف الجالية العربية هم من المسيحيين العرب، وأكثر من نصف الجالية الإسلامية هم من أصولٍ غير عربية, ولا يمكن وضعهم جميعاً (العرب والمسلمين في أميركا) في «سلَّةٍ واحدة» من الناحيتين الدينية والوطنية.
إذن، كلما كان هناك تعاون وتنسيق بين أبناء الجاليتين العربية والإسلامية، وكلما كان هناك طرح لفكر عربي سليم فيما يتعلق بمسألة الهوية الثقافية ومضمونها الحضاري، بمقدار ما تستطيع الجالية العربية أن تنجح عملياً وتتجاوز الكثير من الثغرات والعقبات.