لاشك أن الإسرائيليين قد قرؤوا ما ورد في موقع ’’المشهد الإسرائيلي’’ المتميز وهو موقع إلكتروني.. نقلا عن الصحف الإسرائيلية عن تقرير مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية (مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية)، الذي صدر رسميا يوم الاثنين 8/8/،2005 والذي أشار إلى ارتفاع عدد الفقراء في إسرائيل في العام الماضي إلى أكثر من سبعين ألف شخص، مقارنة مع العام الذي سبقه •2003 وهم يشكلون ارتفاعا بنسبة 5,2% في عدد الفقراء، وهي نسبة تساوي أكثر من ضعفي نسبة تكاثر السكان في إسرائيل التي تبلغ حوالي 2,4%• وقد ظهر هذا التقرير بالتزامن مع ظهور ثلاثة تقارير أخرى تشير إلى الفجوات الاجتماعية الآخذة بالاتساع في إسرائيل•
وقد أشارت تمارغوجانسكي، وهي عضو كنيست سابقة في لائحة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (في 17 أكتوبر 2005) نقلا عن المشهد الإسرائيلي في مقال لها بعنوان ’’الهواجس في يوم الغفران’’ إلى أنه في العامين الأخيرين سجلت إسرائيل نموا اقتصاديا وازدادت مداخيل الدولة من الضرائب، ولكن ثمار هذا الأمر بغالبيتها وصلت إلى جيوب واحد في الألف من المواطنين• وتؤكد معطيات ’’مؤسسة التأمين الوطني’’ في تقريرها حول الفقر في عام 2004 أن النشاط الاقتصادي، وعمليات الخصخصة وتخفيض الضرائب للأغنياء، زادت من غنى الأغنياء وزادت أعداد الفقراء وفقرهم أيضا• كما أن مشروع ميزانية الدولة لعام 2006 الذي أقرته الحكومة، لا يتطرق إلى التقليصات المرتقبة في مخصصات الأولاد، وهي التقليصات المقررة منذ عامين، ولا لتآكل أجور العاملين ومخصصات التأمين الوطني على أشكالها، وهذا ما يعني إبقاء هذه الضربات الاقتصادية على حالها• إلى جانب هذا فإن الحكومة الإسرائيلية تعتزم إجراء تغييرات في رواتب القطاع العام، بحيث سترفع نسبة الخصم من الراتب لغرض تأمين التقاعد، كما أنها ستسمح بإبقاء الموظف على أنه مؤقت لمدة خمسة أعوام وليس لمدة عام واحد كما هو الحال اليوم، وفى كلتا الحالتين هناك ضربة جدية لرواتب مستخدمي القطاع العام•
وقد قرأ المستوطنون الصهاينة أن أكاديمية العلوم السويدية أعلنت عن منح البروفسور الإسرائيلي ’’يسرائيل أومان’’، البالغ من العمر 75 سنة، جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2005 مناصفة مع البروفسور الأميركي توماس شيلينج من جامعة ميريلاند في الولايات المتحدة تقديرا لمساهمتهما في تحسين الفهم للمواجهات والتعاون بواسطة تحليل ’’نظرية الألعاب’’، الذي يوفر شرحا أفضل للخلافات السياسية على خلفية اقتصادية• كما أن ’’نظرية الألعاب’’ تفسر سبب نجاح بعض الدول أكثر من غيرها في استغلال ثروتها الاقتصادية• وقد طيرت وكالات الأنباء الخبر على أنه خبر عالمي محايد لابد وأن يدخل البهجة على قلوب أبناء الجنس البشري•
ولكن موقع ’’المشهد الإسرائيلي’’ (22 أكتوبر 2005) يعطينا معلومات مهمة تلقي الضوء على هذا العالم ونظرياته، فقد ولد ’’يسرائيل أومان’’ في مدينة فرانكفورت عام 1930 ثم هاجر إلى الولايات المتحدة في صباه حيث حصل على شهادة الدكتوراه في الرياضيات عام ،1955 أي أنه نشأ وتعلم في الولايات المتحدة• ثم هاجر إلى إسرائيل عام 1956 أي بعد أن أكمل تعليمه• وبدأ يعمل محاضرا في كلية الرياضيات في الجامعة العبرية في القدس• ومن المعروف أن كثيرا ممن يسمون ’’العلماء الإسرائيليين’’ يتلقون تعليمهم في الولايات المتحدة ويجرون أبحاثهم فيها، ثم ينشرونها في إسرائيل، لتحسب ضمن الأبحاث الإسرائيلية• فهل ’’أومان’’ من هؤلاء؟ لم أجد إجابة على هذا السؤال فيما نشره ’’المشهد الإسرائيلي’’•
ولكن هذا الموقع الإلكتروني زودنا بمعلومات أخرى في غاية الأهمية، فقد أجرى أحد المحررين حوارا مع أستاذ جامعي إسرائيلي وناشط سياسي هو ’’سامي شطريت’’ الذي بيّن أن ’’أومان’’ يميني متطرف وأنه يوظف نشاطه العلمي في خدمة أيديولوجيته• وقد طور نموذجا ’’علميا’’ يوضح ’’أن نزع سلاح إسرائيل النووي حل غير مرغوب فيه’’• ثم يضيف ’’شطريت’’ أن ’’أومان’’ هو أحد مؤسسي هذا المجال الجديد نسبيا، والمفضل لدى رجال الاستخبارات والجنرالات ورؤساء المنظومات السياسية الكبرى والمسؤولين عن إدارة مفاوضات سياسية وأصحاب المجمعات والشركات التجارية الكبرى وكذلك لدى المحللين في أسواق الرأسمال وغيرهم• وليس من الصعب الاستدلال فورا على أن القاسم المشترك بين كل هؤلاء هو غياب الأخلاق كقيمة فاعلة في احتساب خطواتهم• إن الإسهام الرئيسي للبروفسور ’’أومان’’، حسب تصور ’’شطريت’’، هو نجاحه في تطبيق عمله على ميدان سوق المال والبورصة -أي القدرة على توقع سلوك سهم ما أو سوق معين• وقد أسهم في شبابه أيضا في تطوير منظومات توجيه استراتيجية لصواريخ باليستية عابرة للقارات! وكل هذه الأمور أبعد ما تكون عن خدمة الإنسانية!
أما بالنسبة للمواقف السياسية لـ’’أومان’’ فهو من أنصار أرض إسرائيل الكاملة ولذا عارض الانسحاب من قطاع غزة واعتبره ’’عملا غير أخلاقي، غير إنساني وأحمق• لم يربح المستوطنون منه أي شيء بل ربما خسروا الكثير’’•
وأورد ’’شطريت’’ جزءا من بيان نشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية عشية الانسحاب من غزة وقع عليه أعضاء جماعة يمينية متطرفة تسمى ’’طاقم الأساتذة من أجل المناعة السياسية والاقتصادية’’ من بينهم البروفيسور ’’أومان’’ نفسه• وقد وصف البيان الانسحاب من غزة بأنه ’’عبارة عن رياح لأشرعة الإرهاب وللعداء للسامية، وأن هدم الكنس من قبل شارون -بتأييد جهاز القضاء- من شأنه أن يشجع على المس باليهود والكنس والمقابر اليهودية في أرجاء العالم، كما من شأنه أن يضر بالهجرة اليهودية إلى إسرائيل وأن يقوّض أكثر فأكثر ثقة الجمهور بجهاز القضاء في إسرائيل’’• وختم ’’شطريت’’ بالقول: لماذا ينبغي أن تهمني رياضيات هذا الشخص ونظرياته، مهما تبلغ عبقريته، إذا كان تفكيره في القضايا التي يوجد لها تأثير على البشر الذين يعيشون في هذه البلاد هو تفكير رهيب ومدمر، يقدّس الحروب وتقديم الضحايا البشرية إلى ما لا نهاية• ويمكننا نحن أن نتساءل: ما مدى حيادية جائزة نوبل؟
وقد قرأ الإسرائيليون ما نشر في الصحف الإسرائيلية (22/ 5/ 2005) عن فيلم مثّل إسرائيل في مهرجان ’’كان’’ بعنوان ’’ما عدا واحدة من عينيّ’’ لآفي مغربي وهو فيلم تسجيلي، يستند أصلا إلى محادثات هاتفية تدور، منذ ثلاث سنوات، بينه وببن صديق له فلسطيني يعيش في الضفة الغربية، ويبدو لنا يائسا متشائما من كل شيء• ومغربي يسجل كل هذا، في إدانة واضحة وصريحة للسلطات القمعية الإسرائيلية، من خلال دمج حديثه مع صديقه بمشاهد يومية من حياة الفلسطينيين في ظل الاحتلال والقمع:’’أطفال لا يستطيعون استكمال دراستهم، أمهات منحصرات في البيوت، حواجز تنغِّص على الناس عيشهم وتمنعهم من الحركة• اقتصاد منهار وآفاق مستقبلية معتمة’’• فهل سيغير هذا من خريطة الإسرائيليين الإدراكية؟