الهاجس الديموغرافى يطارد الوجدان الإسرائيلي بشكل دائم، وهذا ما تناولته "الكريستيان ساينس مونيتور" (12 يونيو 2007) في مقال بعنوان "الأعداد اليهودية آخذة في التناقص". وهو مقال نقلته الكثير من الصحف الإسرائيلية، جاء فيه أن يهود العالم يبلغ عددهم 13 مليوناً، وأن العدد لا يتناقص بسبب الزيادة الطبيعية في إسرائيل التي تعوض الخسارة الديموغرافية للجماعات اليهودية. ومع هذا يقول المقال إن اليهود يمثلون اثنين من كل 1000 شخص، بالمقارنة 3.5 لكل ألف عام 1970 و4.7 لكل ألف عام 1945 و7.5 لكل ألف عام 1938. وقد حذر الكثير من القيادات اليهودية أن هوية الدياسبورا (يهود العالم) آخذة في التآكل بسبب الزواج المختلط. وتنشر الصحف الإسرائيلية أحياناً أخباراً غريبة مثل هذا الخبر الذي نشرته Jewish Telegraphic Agency بعنوان "الغرباء يشترون بيوتاً في إسرائيل". يقول الخبر إنه في عام 2002 استثمر المشترون الغرباء في المنازل ما يقرب من 192 مليون دولار في إسرائيل. وبعد أربع سنوات فقط، وصل هذا المبلغ إلى 1.43 بليون دولار، وازدياد عدد المستثمرين الغرباء في أحياء القدس غيَّر من معالم المدينة. ففي بعض المناطق تُسمع اللغة الإنجليزية أكثر من العبرية. وتبدو بيوت يهود أميركا الذين يأتون فقط لقضاء الإجازات مهجورة تسكنها الأشباح. وتشكل مبيعات الغرباء ما يقرب من 25% من نسبة المبيعات في بعض أحياء القدس مثل "ريهافيا" و"كاتامون". وتكمن غرابه الخبر في أنه يطرح السؤال التالي، والذي يظل بلا إجابة: ما الذي يدفع هؤلاء الأثرياء لشراء منازل في منطقه فيها حرب مشتعلة؟ وهل الإنسان الاقتصادي داخلهم غير قادر على التمييز بين الأشياء؟ هل يقومون بشراء بيت فخم رخيص والسلام، بغض النظر عن الظروف السياسية والاجتماعية المحيطة به؟ أم أنهم يرون أن مثل هذه المنازل الفخمة الرخيصة هي استثمار جيد باعتبار أن الدول العربية ستقوم بالتطبيع مع إسرائيل، وأنه سيسود سلام دائم، ومن ثَمَّ سترتفع أسعار هذه المنازل؟
ويواكب هذا الخبر الغريب خبر غريب آخر يقف على طرف النقيض منه، فقد أشار عادل شهبون (الأهرام 11 يناير 2007) نقلاً عن وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى "ظاهرة جديدة: مخابئ نووية خاصة لأثرياء إسرائيل". جاء في المقال أن سباق التسليح في المنطقة والحديث الدائم عن التهديدات النووية دفع عشراتِ الأثرياء الإسرائيليين الى بناء مخابئ نووية خاصة أسفل منازلهم، حيث تصل تكلفة بناء المخبأ الواحد الى ما يزبد عن مئة ألف دولار. الحكومة الإسرائيلية من جانبها تقيم مخبأً نووياً ضخماً في القدس، يلجأ اليه عند الضرورة كبار المسؤولين وأقاربهم بالطبع. وتصل تكلفه بنائه إلى عدة مليارات من الشيكلات، وتشهد عملية بناء مثل هذه المخابئ ازدهاراً كبيراً في الفترة الأخيرة، وأمثال هؤلاء الأثرياء يعتقدون أنه في يوم ما ستسقط قنبلة نووية على إسرائيل، وأن هذه المخابئ تحميهم من الموت. وما تنشره وسائل الإعلام حالياً عن مخاطر التسليح النووي لإيران وكوريا الشمالية ألهبت خيال هؤلاء الأثرياء وجعلتهم على يقين أن المنطقة مقبلة على حرب نووية قد تسقط خلالها قنبلة على إسرائيل تمحو مدناً كاملة من الوجود خلال دقائق وتؤدي إلى موت الآلاف من الأشخاص، وحينئذ يكونون هم في مأمن داخل مخابئهم النووية الخاصة. وبعد أسبوعين حينما تنقشع السحابة النووية السوداء، يخرجون من تحت الأرض دون أن يصيبهم سوء ليمارسوا حياتهم كالمعتاد. وتنتشر المخابئ النووية في المدن التي يقيم فيها أثرياء إسرائيل. وقد اجتاحت حمى بناء المخابئ النووية عقب تولي الرئيس الإيراني أحمدي نجاد السلطة في أكتوبر 2005 وتهديده بمحو إسرائيل من الخريطة.
وأصحاب هذه المخابئ يحرصون على عدم الكشف عن أسمائهم. ويقول المستشارون والمهندسون والمقاولون الذين يعملون في هذا المجال إن العملاء يحرصون على ذلك خوفاً من انتقادات حادة من المواطنيين العاديين، وخوفاً من الحسد أو زيارات مفاجئة لضيوف غير مرغوب فيهم يطلبون من هؤلاء الأثرياء مشاركتهم المخابئ يوم اندلاع الحرب النووية، لذلك فهم -أي الأثرياء- يحصلون على تعهدات مكتوية من المقاولين بعدم كشف أسمائهم، وإذا أخل المقاول بهذا التعهد يكون من حق صاحب المخبأ رفع دعوى قضائية ضده.
تشهد عملية بناء المخابئ الذرية ازدهاراً كبيراً في إسرائيل، وتقيم الحكومة الإسرائيلية مخبأ نووياً ضخماً في القدس، يلجأ إليه عند الضرورة كبار المسؤولين وأقاربهم.
ولعل مقال "رؤيين يدهستور"، الذي نشر في هآرتس (23 يوليو2007) تحت عنوان "لا حاجة لبناء ملاجئ ذرية لملايين المواطنين في إسرائيل لأنها باهظة الثمن ومضرة" يعكس الحالة النفسية للمواطنين الإسرائيليين، فكاتب المقال يرى أنه من الضروري أن تبين أنه لا حاجة لبناء ملاجئ ذرية لملايين المواطنين في إسرائيل، مخابئ لا نفع لها وباهظة الثمن ومضرة. فبناء مثل هذه الملاجئ العامة سيتطلب مليارات الدولارات، وسيضاف إليها مئات الملايين التي سينفقها الموطنون الخائفون على بناء ملاجئ في ساحاتهم. إن قليلاً من أولئك الذين سيجدون حماية في هذه الملاجئ سيجتازون هجوماً ذرياً ويبقون أحياء. أولئك الذين سيظلون على قيد الحياة، سيضطرون إلى البقاء في هذه الملاجئ عدة أشهر إلى أن يستطيعوا الخروج منها. وماذا ستجدي الملاجئ الذرية في حالة هجوم ذري مفاجئ،؟ من الواضح أن أكثر الناس لن يصلوا إلى الملاجئ وسيلقون حتفهم على الطريق.
مخابئ تقي المستوطنين الأثرياء شر الحرب النووية المفترسهة! ولكن ماذا عن صواريخ القسام البدائية؟ كتب "ناحوم برنباع" (يدعوت أحرونوت 18 مايو 2007) مقالاً بعنوان "إسرائيل لا تملك حلاً لصواريخ القسام والحل في الوقت الحالي إخلاء السكان". قال فيه إن ستين صاروخ قسام أصابت سدروت خلال اليوم الفاصل بين الثلاثاء مساء والأربعاء مساء. النتائج ليست مثيرة للانطباع وفقاً للمعايير الدقيقة. ثقوب هنا وزجاج محطم هناك وهكذا دواليك. إلا أن الأثر الحقيقي لبرد الصواريخ البدائية هذا يظهر على وجوه الناس: العيون الفزعة والأطفال الذين عادوا للتبول في سن الحادية عشرة والمكالمات الهستيرية مع أبناء العائلة عبر الهاتف المحمول والرحيل المحزن من المدينة نحو الخارج. ولعل لهذا السبب نجد أن "ثقة الإسرائيليين بالدولة ضعيفة جداً" كما يقول عوزي بنزمان (هآرتس 22 يوليو 2007).
وفي وسط المخابئ النووية والجدار العازل وصواريخ "القسام"، لاحظ الكاتبان "يهونتان ليس" و"يوفال يوعاز" في مقال بعنوان "عدد السجناء في إسرائيل زاد بنسبة 40% منذ 1997"، جاء فيه أن رئيس مصلحة السجون، "بيني كانياك"، عرض قبل أسبوعين، في نقاش في لجنة الداخلية في الكنيست تقديره أنه بسبب الزيادة الحادة في عدد السجناء في إسرائيل، بنسبة 40 في المائة في العقد الأخير، هناك حاجة إلى إقامة سجنين جديدين كل سنة. ويتبين من المعطيات التي عرضها "كانياك" أنه في كل سنة يضاف 400 سجين جنائي إلى السجون ونحو من 700 سجين أمني. وأوضح "كانياك" لأعضاء اللجنة أنه يوجد بديل آخر لبناء سجن آخر: الخيار الثاني لمواجهة زيادة عدد السجناء هو توسيع استعمال التقييد الالكتروني، الذي يخلي لنا سجناً كاملاً.
وفي نفس الإطار كتب "يوسي ملمان" (هآرتس 10 مايو 2007) مقالاً بعنوان "أمنستى: تجار سلاح إسرائيليون يغذون الحروب في أرجاء العالم". جاء في المقال أن تاجر السلاح الإسرائيلي "أفيفي" بالاشتراك مع رجل أعمال سويسري يسمى "هاينرخ تومات" يشتريان سلاحاً في صربيا ويبيعانه في العراق. ويقول "أفيفي" لصحيفة هآرتس: أنا تاجر سلاح أبيع السلاح في الدول التي يُباح فيها البيع، وبحسب قوله، لا أبيع للعراقيين بل للأميركيين. ولكن على حسب التقرير يشتري "أفيفي" و"تومات" السلاح في صربيا لحساب شركات أميركية، تعطيه لجيش العراق وللشرطة.
إن تجارة السلاح أصبحت من أخطر أنواع التجارة وأكثرها انتشاراً، فبعد نحو شهرين سيقدم إلى الهيئة العامة للأمم المتحدة اقتراح يدعو الأعضاء في المنظمة إلى صياغة وثيقة دولية لرقابة تجارة السلاح في إسرائيل، وهي واحدة من خمس أو ست أكبر دول مصدرة للسلاح في العالم، ولذا لا تنوي تأييد الوثيقة، لأن تصدير السلاح أصبح عنصراً رئيسياً في الجهاز الاقتصادي الإسرائيلي. تفتخر وزارة الدفاع بجهودها لزيادة التصدير الأمني كل سنة، ولا توجد لها أي نية لزيادة الرقابة. ربما يوجد في وزارة الخارجية عدد من الموظفين القلقين للصيت السيئ الذي يأتي به السلاح على إسرائيل، لكن حيال قوة وزارة الدفاع لا يوجد لهم الكثير مما يفعلون، في إسرائيل، كما قيل في التقرير إن الوكلاء الذين يحظون بثقة (السلطات) يطلب إليهم فقط أن يسجلوا (في وزارة الدفاع) من غير أن يكونوا خاضعين للإشراف والرقابة. والله أعلم.