نساء سورية
ثناء، بدون أية مقدمات، ضحية لم تمت "لشرف" ذكوري يعلو فوق كل قانون ونظام! فبعد أن فرغت الرصاصات بجسدها، تاركة إياه مشلولاً ومليئاً بأسياخ معدنية بالطول والعرض، تأتي الآن الطلقات الأكثر لا إنسانية، الأكثر قسوة، الأكثر مرارة، الطلقات "البشرية"! لتخترق قلبها الصغير الذي كانت الحياة نفسها قد تكفلت سابقاً بسحقه دون رحمة!
ثناء، التي وجدت في جمعية ملاحظة الفتيات بحلب مكاناً استضافها بعناية وحب لفترة طويلة، عاجزة عن الحركة! ولأنها كذلك، لم يعد باستطاعة هذه الجمعية أن تقدم المزيد. وهي الجمعية التي تقوم أصلا بدور يفوق قدراتها أضعافاً مضاعفة، دون أية مساعدة من أحد أو دعم يذكر! فتقدمت الجمعية بطلب إلى القاضي أن يسمح بنقلها إلى جمعية المبرة الإسلامية بحلب، وهي الجمعية التي تعنى بالمعوقين.
القاضي ذيل الطلب بـ"لا مانع من نقل الفتاة.. إلى المكان المناسب أصولاً". وبناء عليه أخذت جمعية الملاحظة الفتاة ثناء إلى جمعية المبرة. لكن الأخيرة رفضت إدخالها! ولأن اليوم المعني كان يوماً ماطراً، لم يجد "المعنيون" في الجمعية مانعاً من أن تبقى الفتاة ثناء تحت المطر؟ ثم لتعود أدراجها دون أن تقبل الجمعية إدخالها.
إثر ذلك، وكمساهمة في حل المشكلة ليس على حساب الفتاة الضحية مرات ومرات، قمنا بالاتصال بالدكتور محمود عكام، خطيب جامع التوحيد بحلب، ومناشدته أن يتدخل لدى جمعية المبرة الإسلامية لقبول الفتاة التي لم يعد من الممكن رعايتها في جمعية الملاحظة، فهي تحتاج حكماً إلى رعاية خاصة. د. عكام وعد أن الأمر سيحل فوراً. لكن للأسف، جمعية المبرة بقيت على موقفها الرافض! بل إنهم، ودون أي تردد، اقترحوا أن يجري تقديم مبلغ 6000 ليرة شهرياً لمن يرعاها دون دخولها إلى جمعية المبرة!
جمعية المبرة احتجت بأن نزلائها جميعاً هم فوق الستين من العمر، وليس لديها تعامل مع فئة الشباب. وهذا صحيح طبعاً. ودون أي إنكار لدور "المبرة" الهام في رعاية المعوقين المسنين، لم نستطع أن نفهم هذا الموقف غير المعقول تجاه صبية تحت سكين القتل؟ هل عجزت الجمعية عن إيوائها، وإن مؤقتاً، ريثما يمكن تأمين مكان مناسب من جميع الجهات (رعاية الإعاقة، وحماية حياتها)؟!
الواقع الذي نعرفه جيداً هو أن العذر الحقيقي لجمعية المبرة هو أن لثناء "خلفية جنائية"! وهكذا، يتقدم السجل العدلي لثناء على حياتها؟ هكذا يصير أن لها خلفية جنائية أهم من الحفاظ على حياتها؟ وهكذا لا يستطيع المسؤولون عن جمعية المبرة الإسلامية بحلب أن يناموا مرتاحين هانئين أن النظام الداخلي للجمعية لم يمس! حتى إن قتلت ثناء لأنهم رفضوا إيواءها؟!
الواقع أن حاجة ثناء للوجود داخل حرم جمعية محمية جيداً، هو أولا لحمايته من الطلقات التي تسببت بشللها، وما تزال تلاحقها بهدف القضاء على حياتها نهائيا! وجمعية المبرة الإسلامية تعرف ذلك جيداً! وتعرف أن المشكلة لاتتعلق بمبلغ ما لرعايتها! بل أولا بمكان آمن لحمايتها من رصاصات المدعين باسم "الشرف"! ولا نعرف إن كان رفضهم إيواءها لهذ السبب بالذات؟ أي هل هو هروب من مسؤوليتهم تجاه هذه الفتاة المعاقة والمهددة بحياتها؟!
نعم، ليس هناك أي مبرر لجمعية المبرة أن ترفض إيواء ثناء فوراً ودون أي تردد. وبعد ذلك يمكن البحث في كيفية حل المشكلة الداخلية بالنسبة للمبرة.
ثناء الآن في مكان بائس بلا أية رعاية أو حماية! مرمية تحت العراء! مواطنة يعجز وطنها عن حمايتها وتأمين الرعاية لها! مواطنة على ورق ولد أصفراً! مواطنة في عقدة من القرارات التي تعيد قتل ثناء التي استطاع الرصاص الحقيقي شل جسدها، دون أن يقتل روحها؟ وها نحن اليوم نقتل روحها بيد باردة ودون أن يرف لنا جفن! فهل سنفعل شيئاً قبل أن يضاف اسمها إلى قائمة ضحايا "جرائم الشرف" في سورية التي تبوأت، بلا فخر، المرتبة الخامسة عالمياً؟!
شهيناز عبد الغفور، عضوة فريق عمل نساء سورية
بسام القاضي، مشرف فريق عمل نساء سورية