لم يكن أحد في لبنان يتوقع أن ينجح الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في محاولته الثانية التي اختلفت عن سابقتها بالتعزيز السعودي والمصري والقطري والتونسي، ليس لحل الأزمة السياسية الخطيرة بل لنزع فتيل التفجير فيها ولإقناع اطرافها بالجلوس معاً في حكومة وحدة وطنية وبالحوار الدائم بغية اجتياز "القطوعات" الخطيرة التي سيمر بها لبنان قريباً وأبرزها على الاطلاق انتخابات رئاسة الجمهورية وقبلها الانتخابات الفرعية وربما قبل هذه الاخيرة بدء التقسيم في البلاد باقدام رئيس الجمهورية على تأليف حكومة ثانية باعتبار ان حكومة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة غير شرعية في رأيه ورأي حلفائه الداخليين والاقليميين أو لم تعد شرعية بعد استقالة وزراء الطائفة الشيعية منها. ولعدم توقع النجاح هذا اسباب عدة. أولها، ان اللبنانيين ولا سيما منهم الذين ينتمون الى المعارضة لا يستطيعون ان يخرجوا عن قواعد المواجهة الاقليمية الدولية التي تخاض بواسطتهم وبواسطة اللبنانيين الآخرين. ويعني ذلك انهم لا يستطيعون ان يقرروا في أي موضوع لبناني اذا كان من شأن ذلك انتهاء اتخاذ لبنان ساحة للمواجهة المذكورة واللبنانيين ادوات لها او وقوداً. وثانيها، ان القوة المؤثرة فعلاً في لبنان بل الأقوى من سائر اللبنانيين عبر حلفائها، على ما قال نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، هي سوريا. وسوريا هذه لم يبدأ بها عمرو موسى ووفده زيارة البحث عن حلول لأزمة لبنان رغم علمه بأنها جزء من المشكلة او الجزء الأكبر منها وانه من دون التحاور معها او من دون "معالجة" تشددها بطريقة مناسبة لن تصبح جزءاً من الحل او لن تبقى قادرة على تعطيله. وسوريا هذه تعرف ان مهمة موسى ورفاقه اساساً جاءت تلبية لشكوى حكومة لبنان الشرعية عليها امام مجلس وزراء الخارجية العرب، وتعرف ان مواقف غالبية هؤلاء منها ليست ايجابية رغم عدم استعداد بلادهم للذهاب بعيداً في مواجهتها دفاعاً عن لبنان الذي يدعون الحرص عليه. وهي تعرف ايضاً من تجاربها الكثيرة السابقة مع العرب انهم لا يتورعون اذا صادفتهم مشكلات او عقبات او اخطار اثناء سعيهم لمساعدة لبنان عن التخلي فوراً عن هذا السعي والعودة الى تحميل اللبنانيين مسؤولية عدم التوصل الى حلول لأزماتهم، وهو قول حق يراد به باطل لأن اللبنانيين بانقساماتهم المزمنة وولاءاتهم الخارجية المزمنة والمتنوعة سهلوا للخارج الامساك بلبنان قبل عقود ومعهم حليفهم الأول بل زعيمهم الاميركي الذي تحكم باللبنانيين بحيث لم يعد في استطاعة قسم مهم منهم التخلص من وصايته. وثالث اسباب عدم توقع نجاح مهمة عمرو موسى ووفده "المعزز" تجاهل حقيقة اساسية هي ان العرب وحدهم (أي التعريب) لم يعد في استطاعتهم وحدهم حل مشكلة لبنان او مشكلاته وان تكن نياتهم صادقة واستعداداتهم مكتملة. اذ صار عليهم التفاهم او البحث مع جهة اقليمية اثبتت قوتها وتماسكها منذ نشأتها عام 1979 وصار لها نفوذ كبير جداً في لبنان بل وجود مباشر وغير مباشر وصار لها نفوذ كبير جداً في سوريا (تحالف استراتيجي) هي التي لها نفوذ كبير في لبنان، وصار لها إمكان التأثير السلبي او الايجابي في قلب العالم العربي أي في فلسطين وفي الاردن وفي دول مجلس التعاون الخليجي كلها والدول الخليجية غير المنضمة اليه. الجهة الاقليمية هذه هي الجمهورية الاسلامية الايرانية التي على العرب ان يتصرفوا معها لمساعدة لبنان بل لمساعدة انفسهم اولاً بطريقة من اثنتين: إما "كسرها" مباشرة أو عبر الحلفاء الكبار في العالم وذلك صعب وربما يكاد يقارب المستحيل على الاقل حتى الآن، وإما التفاهم معها على كل القضايا المختلف عليها وفي مقدمها المصالح الحيوية والنفوذ وذلك صعب لأن ايران دولة حديثة رغم سلفيتها الدينية ولأن الدول العربية لا تزال ترتع في شيء من التخلّف رغم حداثتها الظاهرية. علماً ان الامرين صعبان اذا لم يكن للحلفاء الكبار في العالم دور مهم فيهما. وعلى هذا يتساءل قريبون من طهران عن الاسباب التي اوقفت الجهد السعودي – الايراني لترتيب اوضاع لبنان رغم الإعداد الجيد الذي سبق بذل الجهد قبل ان يتوقف. أما رابع اسباب عدم توقع نجاح عمرو موسى ورفاقه فهو عدم قدرة اميركا، رغم قوتها الهائلة وصدق رغبتها في مساعدة لبنان، على "تطويع" كل المتمردين الممسكين بلبنان ساحة او ورقة او جزءاً منهم بسبب تعثرها الاقرب الى الفشل في العراق وتعثرها في افغانستان وتعاظم الشعور العربي والاسلامي المعادي لها لاسباب فلسطينية اساساً وتنامي التيار السلفي الاصولي العنفي المستعد للانتحار (الاستشهاد) في محاربة الكفار من المسلمين اولاً (في رأيه) ثم من النصارى والصليبيين والرافضين.
الى أين بعد كل ذلك؟
تكاد المصادر المطلعة الخارجية وبعضها ايراني ان تجمع على ان التشاؤم يخيم على المنطقة من اقصاها الى اقصاها. ففي لبنان لا حلول في رأيها بل مزيد من التأزم المفتوح على الانفجار وعدم الاستقرار وانفراط الدولة والتقسيم وربما الحرب الاهلية. وفي العراق لا حلول، وايران لن تبادر الى مساعدة اميركا على تهدئته لأن تجاربها السابقة معها لا تشجع اذ ساعدتها في افغانستان قبل ذلك ولم تنل شيئاً بل نالت الحصار والعقوبات والاستعداد لضربها، علماً ان ايران حصلت وربما من دون قصد اميركا على مقابل لا يقدر بثمن هو زوال خطرين اقليميين كبيرين عليها هما افغانستان والعراق. ولا تبدو المصادر متوهمة بأخبار الاستعداد لاجتماع ثان بين دبلوماسيين ايرانيين وعراقيين أو باخبار الخطوط التي بدأت تفتح بين واشنطن وطهران. وانطلاقاً من ذلك تبقى الحرب الايرانية – الاميركية المباشرة احتمالاً قوياً. وفي فلسطين لا حلول بل استعدادات لحرب تقوم بها اسرائيل عندما تنضج ظروفها وتنتهي تحضيراتها او عندما يعطيها اعداؤها الصغار او الكبار مبرراً لشنّها.