من الاخبار المخدرة التي عمدت بعض وسائل اعلامنا المحلية نشرها الاسبوع الماضي، قرار مجلس وزراء الإعلام العرب في اجتماعهم الاخير بالقاهرة ضرورة "
من الاخبار المخدرة التي عمدت بعض وسائل اعلامنا المحلية نشرها الاسبوع الماضي، قرار مجلس وزراء الإعلام العرب في اجتماعهم الاخير بالقاهرة ضرورة "مواصلة مؤسسات الاعلام العربي في توفير الدعم الاعلامي لكل من سورية ولبنان والعراق والسودان، إضافة إلى الصومال وجزر القمر".
والمرور على الخبر بالطريقة الكلاسيكية السابقة، التي عودتنا عليها وسائل اعلامنا، يترك انطباعا كاذبا يقوم على أن كل وسائل الاعلام العربية العامة منها والخاصة، تقف وتساند سورية في مواقفها السياسية وضد الضغوط والحملات التي تتعرض لها.
لكن واقع الحال مختلف كثيرا، حيث أن القرار السابق لوزراء الاعلام، ربما يسري على وسائل اعلامهم الرسمية، والتي تكاد صورتها بالنسبة لمواطني الدول العربية، ليست أحسن حالا من صورة إعلامنا الرسمي لدى المواطنين السوريين، بل إن اعلامنا الرسمي يسبق بأشواط كثيرة معظم الاعلام العربي الرسمي، فتصورا تأثير ذلك الدعم الذي نتوقع أن نتلقاه، وحجم ذلك الدعم، إذا عملنا أن الفضائيات الرسمية لا يتعدى عددها عدد الدول العربية، بينما بات يصل عدد الفضائيات العربية الخاصة إلى نحو 300 فضائية؟!
بالتأكيد لا يتوقف الامر عند النقطة السابقة، لأننا بتنا نعلم تماما أن الضغوط والحملات التي نتعرض لها، هي في غالبيتها تأتي من الاعلام العربي الخاص أو الناطق باللغة العربية، والقرار الذي يشدد على دعم سورية ولبنان والعراق يغض النظر عن المقولة الرئيسة وهي: دعم من، وبوسائل اعلام من، ضد من؟!
إن ما تتعرض له سورية اليوم في معظمه إنما يأتي من وسائل اعلام خاصة لبنانية أو عراقية، ثم كويتية وسعودية ومصرية وأردنية، وانضمت إليها أخيرا وسائل اعلام فلسطينية، على خلفية سيطرة حركة "حماس" عسكريا على قطاع غزة، والادعاء بوقوف سورية وايران وراء هذه العملية.
مع نهاية الاسبوع الأخير، أعلنت دمشق أنها تغلق معبر الجوسية – القاع "ريثما تستقر الاوضاع الأمنية في شمال لبنان"، وقال مصدر مسؤول في وزارة الداخلية "إن قرار الاغلاق يأتي بسبب الاوضاع الأمنية السائدة في شمال لبنان، وحرصا من الوزارة على أمن المواطنين من الجانبين السوري واللبناني".
إن القرار السوري جاء على خلفية الاشتباكات العنيفة التي يشهدها مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني وعناصر فتح الاسلام، وادت إلى مقتل العشرات من الجانبين وتهجير الآلاف من سكان المخيم، وكان القرار يهدف فيما يهدف إليه، عدم السماح بتسلل الإرهابين بالاتجاهين، إضافة، وهو الأهم، عدم السماح بدخول لاجئين فلسطينيين هاربين من المخيم إلى سورية، حتى لا يتم تصدير مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى سورية.
لكن ماذا حصل على مستوى وسائل الاعلام اللبنانية، التي تسيطر عليها "المولاة"، وعلى مستوى مروجي هذا الاعلام في باقي الدول العربية؟ لقد شن هؤلاء حملة على سورية أنها بصدد اغلاق المعبر الأخير المتبقي بين البلدين وهو معبر "جديدة يابوس – المصنع"، وصدرت الأوامر إلى عربات النقل الفضائي للتحرك ليس إلى معبر "الجوسية" الذي اغلق، وإنما إلى معبر "الجديدة – المصنع" لتغطية عملية الاغلاق المتوقعة.
وفي اليوم التالي صدرت أخبار الصحف في لبنان وغيره من الدول العربية "الشقيقة" تحت عناوين تؤكد أن اغلاق معبر "الجوسية" سيتبعه اغلاق معبر "الجديدة".
على كل، جاء الرد السوري على لسان نائب الرئيس فاروق الشرع في لقاء له مع الصحفيين والمراسلين المعتمدين بدمشق حين قال "لا يمكن لأي حفنة من السياسيين ولو ملكوا قطاعا من الجمهور اللبناني أن يقودونا إلى قطع العلاقات أو اغلاق الحدود ونشوء نزاع مسلح".
وإذ كان الاعلان السوري واضحا من البداية تجاه اغلاق معبر "الجوسية" فقط، وكان الرد السوري واضحا أيضا بأن تصرفات البعض لن تدفع إلى قطع العلاقات مع لبنان، إلا أن الحملة الاعلامية على المستوى العربي تركت انطباعا لدى الشارع وكأن عملية اغلاق معبر "المصنع" قد تمت فعلا، أو أنها تحصيل حاصل.
لا نريد ضرب المزيد من الأمثلة لأنها أكثر من أن تحصى، وإنما الغاية من المقدمة السابقة وإن طالت قليلا، هي الوصول إلى السؤال التالي: أين يقف إعلامنا من الحملات التي تتعرض لها بلادنا؟ ولماذا مازلنا نصر على تحييد القطاع الخاص السوري من هذه المواجهة، والاكتفاء بجهود الاعلام العام "الجبارة والمشكورة"، والتي كادت أن تحرر لنا الجولان!.
ربما يقول قائل: لقد فُتح الباب أمام الصحافة الخاصة، وباتت هناك العشرات من الدوريات المختلفة التي تعج بها الاسواق، لكن السؤال هنا، كم منها سياسي أولا، وكم منها يترك أثره على الشارع السوري ثانيا، وكم منها يجتاز الحدود ثالثا؟! وهذا هو الأهم.
علّ الإعلام الوحيد العابر للحدود الذي انطلق في سورية، هو اعلام مواقع الانترنت، وهي عموما مواقع يشرف عليها جيل شاب من الاعلاميين السوريين ممن لم تنجح الماكينة الرسمية بترويضهم، وهي تعيش في بيئة مختلفة وتتمتع بهامش من الحرية جعلها تتميز حتى على المستوى العربي، ما دفع بأصحاب الحملات المضادة على سورية بالتشهير بها، في دلالة مباشرة على قدرتها بتشكيل رأي عام مختلف، عما يحاوله الآخرون تشكيله عن سورية.
أما الاذاعات الخاصة التي تبث على موجات الـ "إف إم" فهي مازالت وبعد سنتين من عمرها، محصورة في المنوعات والأغاني وكأن شارعنا "المتشدد" يفتقر لمن يدله على طريقة "هز الخصر"، الأمر الذي دفع بجمهور الاذاعة في البحث عن المحطات التي تقدم وجبات اخبارية مختلفة عن تلك التي يسمعونها من اذاعتنا الرسمية، وهنا تستطيع في دمشق والمنطقة الجنوبية عموما، أن تستمع إلى اذاعات تبث أيضا على موجات الـ "إف إم" من لبنان والاردن مثل "سوا" الاميركية والـ "بي بي سي" البريطانية، و"مونتي كارلو" الفرنسية، و"صوت لبنان"، و"اذاعة النور" التابعة لحزب الله وغيرها.
بالطبع، لا يخـتلف الوضع عند الحديث عن الاعلام المرئي، بل إن التشدد يبرز في أكثر صوره عند هذه الحالة، والغريب أننا نحن "الدولة التقدمية" بل دولة "التطوير والتحديث"، ودولة "الحضارة والتاريخ"، مازلنا نعجز عن قراءة ما اكتشفته الدول "الرجعية" و "المستحدثة" قبل أكثر من عقد ونصف، عندما بدؤوا باطلاق المحطات الفضائية الخاصة وفي مقدمتها الـ "إم بي سي".
لقد اقتنعت هذه الدول بأن الاعلام الحكومي مفقود الأمل باصلاحه، فتركوه على حاله وخلقوا غيره، ووصل الامر في احدى الحالات بأن ظهرت دولة صغيرة كلاعب رئيس على الخارطة السياسية العالمية، من وراء محطتها الفضائية.
إن مسيرة الاعلام الفضائي الخاص في سورية تدفع إلى السخرية والتندر ذات الوقت، فعندما بدأ القطاع الخاص يخطو باتجاه المبادرة للبث من الخارج بسبب اغلاق الابواب أمامه من الداخل، تحركت البيروقراطية الاعلامية لتدارك الأمر، فبدت وكأنها تسعى إلى الدخول في التاريخ مجددا بقوننة الفضاء التلفزيوني الخاص في سورية، وفتحه أمام "من يرغب"!؟ عبر مدينة اعلامية، لكن واقع الحال بعد أكثر من عام على هذا الكلام، يؤكد أن هذه البيروقراطية ومن يتحالف معها من المتضررين، قد وأدت أو تكاد، تجربة الاعلام التلفزيوني الخاص في سورية وتحت مسميات مختلفة وحجج "قانونية" غير مقنعة.
وللاشارة نقول هنا: إن قناة "الدنيا" التي بدأت بثها التجريـبي منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ولاقت كل الدعم الممكن لنجاحها، لم تترك أي أثر لدى المشاهد السوري، ويتردد أخبار بين الاعلامين أنها تسير باتجاه مزيد من المشاكل الداخلية، وهذه القناة لم يسمع بها معظم السوريين، فكيف الحال بالمشاهدين العرب؟!
وفي المقابل بثت قناة "شام" برامجها من سورية خلال شهر رمضان المبارك الأخير، وحينها اقتصر الوضع على الدراما والبرامج المنوعة، ورغم ذلك احتلت المرتبة الرابعة من بين القنوات الفضائية العربية الثلاثمئة، ليس فقط في سورية استنادا لاستبيان اجرته صحيفة الثورة الرسمية، وإنما أيضا في الامارات العربية المتحدة استنادا لاستبيان اجرته صحيفة "البيان".
وعندما قررت "شام" الانتقال إلى الخطوة التالية والمباشرة ببث نشرات الاخبار مع انتهاء شهر رمضان، صدرت الاوامر بايقاف بثها من داخل الاراضي السورية، بحجة أنها غير مرخصة إلا في دبي، وكأن السلطات المختصة، كانت لا تعرف أن المحطة تبث طيلة شهر كامل من داخل مدينة دمشق.
بمثل هذه السياسات مطلوب من سورية حكومة وشعبا، أن تقف في وجه الضغوط والحملات التي تمارس عليها، ليس فقط من الأعداء كاسرائيل وحليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة الاميركية، وإنما أيضا من "الاشقاء" العرب، بل إن الحديث هنا يكاد يصح فيه القول: إن من يحاول اعاقة انطلاقة الاعلام الخاص في سورية، وتحديدا منه العابر للحدود، إنما يجب أن يوضع في خندق من يمارس حملات الضغط الخارجية.