"كلما سألنا صحافيا او مذيعا تلفزيونيا عن الضغوط التي يتعرض لها في عمله ، اجاب انا اعمل بمطلق الحرية"هذا ما كتبه المفكر الاميركي الكبير نعوم شومسكي في مقال له حول دور الاعلام في غسل الادمغة . وهو اذ يتحدث عن الاعلام هنا فانما يقصد الاعلام الليبرالي لا ذلك الذي ارتبط بالانظمة الشمولية التي اندثر معظمها.
واذ يورد شومسكي ، المدافع العنيد عن حرية التعبير وعن اخلاقيات العمل السياسي والاعلامي ، بعض الامثلة من الولايات المتحدة الاميركية عن احصائيات يتم تغييبها عن وسائل الاعلام ، او ذكرها بشكل مهمش ، في حين انها تعكس حقيقة الراي العام . فانه يتطرق ايضا الى امثلة من دول اخرى منها ما هو شرق اوسطي ، ليؤكد على النظرية القديمة الجديدة ، من ان عملية التشويه والتحوير الاعلامي لا تتم فقط عبر ما يقال ويكتب بقدر ما تتم عبر المسكوت عنه ( او الاقصاء بحسب فوكو).
واذا ما قدم لنا هذا التحليل عزاء مصدره القول بان ما يحصل في بلادنا ، التي تشكل جزءا من العالم الثالث ، انما يحصل في الولايات المتحدة التي اعتبرت سيدة الحريات الاعلامية لدرجة جعلت جميع معاهد الاعلام تعترف بشعار Medias are Americans فان هذا العزاء سرعان ما يتبدد عندما نلحظ ان غسل الادمغة ( اذا ما تبنينا مقولة شومسكي ) الذي تحاول بعض وسائل الاعلام العربية انجازه انما يتم لحساب المخططات الاميركية نفسها . وبالتالي فاننا نتحول الى غسالات تعمل لحساب الغير ، حتى ولو كان العمل لحساب الغير يمر عبر عقود الباطن التي تبرمها الانظمة العربية.
تأملات قادها الى الذهن ما حصل مع الصحافيين المصريين الذين تجرؤوا وتجاوزوا المسكوت عنه وقالوا ان الرئيس مبارك مريض . ونسوا ان الفرعون لم يكن يمرض واذا مات حنطوه ووضعوا على وجهه قناعا طبق الاصل عن ملامحه الاصلية.
هكذا سيحصل للرؤساء العرب الذين يجعلون من اولادهم اقنعة توت عنخ امون ، ويصرون على انهم يحكمون جمهوريات ، و .... ديمقراطية.
ردة فعل الجسم الصحافي المصري قالت ان ارث عصر النهضة لم ينته كليا بعد ، وان ترجمة النظام العالمي الجديد عبر النظام العربي الجديد ، لن تنسي المصريين والعرب ان بلاد النيل كانت واحة وملجاأ الصحافيين العرب الهاربين من القمع العثماني ، وبذا اطلقت التأسيس لحركة عربية تحديثية في جميع وسائل الاتصال الجماهيري : من الصحافة الى المسرح الى السينما الى الاغنية واخيرا الى الفضائيات ، حيث كانت القاهرة اول من اطلق فضائية عربية عام 1991.
لكن المطلوب ايضا ردة قوية من الساحات الاعلامية الاخرى ، ومن اتحاد الصحافيين العرب ، خاصة لجنة الحريات ، التي اسعدنا ان نسمع صوتها في السنوات الاخيرة ، بشكل اعلى من ذي قبل.