يبدو ان القمة العربية المقبلة التي ستعقد في الدوحة مع نهاية هذا الشهر ستكون محفوفة بالمشاكل والعقبات، وقد تكرّس الانقسام العربي بدلا من تحقيق المصالحات، أو اكمال ما بدأ منها. ولن يكون مفاجئاً، بالنسبة إلينا على الأقل، اذا ما جاءت مشابهة لنظيرتها الطارئة التي انعقدت لبحث العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، وتباهى السيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري بأن بلاده هي التي عملت على تقويضها ومنع اكتمال نصابها.
قبل عشرة أيام من انعقاد هذه القمة، تبدو الصورة قاتمة، فالمصالحة العربية التي انطلقت مسيرتها في قمة الكويت الاقتصادية، وكان من المفترض ان تترسخ اثناء قمة الرياض الرباعية بحضور الرئيسين المصري حسني مبارك والسوري بشار الأسد، وأمير الكويت صباح الأحمد وبرعاية العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز، هذه المصالحة تترنح حالياً، وتبدو باهتة، هذا اذا لم تكن قد ماتت فعلاً، أو كأنها لم تحدث اساساً.
هناك عدة مؤشرات تؤكد مخاوفنا هذه، نلخصها في النقاط التالية:
أولا: اعتراض الحكومة المصرية رسمياً، ودون أي لبس أو غموض، على دعوة قطر، الدولة المضيفة للقمة، للرئيس الايراني أحمدي نجاد بالمشاركة فيها كمراقب، وتأكيد صحيفة ’الاهرام’ الرسمية في افتتاحية عددها الصادر أمس ان حضور الرئيس الايراني سيؤدي إلى تخفيض مستوى التمثيل في القمة إلى أدنى مستوياته، وهذا يعني مقاطعة الرئيس المصري لها، وارساله وزيراً من الدرجة الخامسة، أو حتى سفيراً لتمثيل بلاده فيها، بالنظر إلى العلاقات المصرية - القطرية المتوترة أساساً ورفض مصر مشاركة أمير قطر في قمة المصالحة الرباعية في الرياض.
ثانيا: تصاعد حدة التوتر في العلاقات الاردنية - القطرية في أعقاب بث قناة ’الجزيرة’ الفضائية حلقة خاصة مع الاستاذ محمد حسنين هيكل، تحدث فيها بالوثائق عن علاقة الاسرة الهاشمية الأردنية السرية بالدولة العبرية، وتقاضي العاهل الأردني الراحل الملك حسين أموالاً من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لعشرات السنين. وهي الحلقة التي أثارت إستياء كبيراً في العاصمة الأردنية انعكس على شكل مقالات هجومية شرسة في الصحافة تطاولت بشكل شخصي على الاستاذ هيكل، ووصف بعضها محطة ’الجزيرة’ بـ ’العائبة’ و ’الصهيونية’، وهناك من يقول إن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قد يقاطع قمة الدوحة احتجاجاً.
ثالثاً: تأكيد الرئيس السوري بشار الأسد بأن العلاقات بين بلاده وايران استراتيجية لا يمكن التراجع عنها، في رسالة واضحة إلى المحور المصري - السعودي الذي يريد ان تقوم المصالحة مع النظام السوري على اساس اخراجه من الحلف الايراني، وقطع علاقاته مع حركات المقاومة العربية مثل ’حزب الله’ في لبنان و’حماس’ في فلسطين.
رابعاً: وجود تنسيق مصري ـ سعودي مكثف في مواجهة ايران، وعزل أي دولة تقترب منها، وربما مقاطعة قمة الدوحة، أو حتى عدم تحقيق النصاب اللازم لعقدها، اذا أصرت الدولة المضيفة على دعوة السيد نجاد. وكان لافتا ان تأتي افتتاحية صحيفة ’الأهرام’ بعد يومين من مقال كتبه الزميل السعودي داوود الشريان في صحيفة ’الحياة’ يوم الأثنين وقال فيه بالحرف الواحد ’دعوة الرئيس الايراني إلى هذه القمة في ظل تجاوزات ايرانية على مصر والبحرين، فضلاً عن احتلال الجزر الايرانية ستؤدي إلى تأزيم العلاقات العربية - العربية، واعطاء الفرصة للرئيس نجاد لطرح الشعارات التي رددتها طهران وحلفاؤها العرب خلال الحرب الأخيرة على غزة’. وذهب الزميل الشريان إلى درجة القول: ’ما الذي يمنعهم مستقبلاً من دعوة رئيس وزراء اسرائيل واعطائه منبر القمة ليتحدث عن الأمن وحق العودة’؟. وطالب العرب برفض جماعي لهذه الدعوة.
ولا نعرف ما إذا كان هذا التنسيق المصري - السعودي ازاء قمة الدوحة المقبلة، هو بمثابة ’ضربة استباقية’ لمنع أية دعوة يمكن ان توجهها دولة قطر إلى الرئيس الايراني، أم انها مجرد خطوة مشتركة لتقويض هذه القمة وتبرير مقاطعتها المتفق عليها بين البلدين، فلم نقرأ أن دولة قطر وجهت هذه الدعوة، ولم نسمع ان الرئيس أحمدي نجاد قد قبلها رسمياً.
وما يثير الاستغراب، بل والارتياب أيضاً، ان هذا التصعيد المصري - السعودي ضد ايران يأتي في وقت تتقرب فيه الادارة الأمريكية الجديدة منها، وتعلن عزمها الحوار معها، بل وتدعوها للمشاركة في مؤتمر حول مستقبل افغانستان تعقده في هولندا الشهر المقبل.
نحن نؤيد حق دولة الامارات العربية المتحدة في استعادة جزرها المحتلة، ونخطّئ الموقف الايراني تجاهها، والشيء نفسه يقال، وبالقوة نفسها، عن التصريحات الايرانية التي تشكك بعروبة البحرين وتعتبرها المحافظة الايرانية الرابعة عشرة. ولكن العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز كان صاحب استراتيجية الانفتاح العربي على ايران، وكان أول زعيم سعودي يزورها، ويدخل إلى قاعة القمة الاسلامية المنعقدة أخيراً في مكة وهو متشابك الأيدي مع الرئيس الايراني، ويتباهى بعلاقاته الوثيقة مع هاشمي رفسنجاني الرئيس الايراني الأسبق. وكل هذا الغزل السعودي - الايراني جرى والاحتلال الايراني قائم للجزر الاماراتية، والبرنامج النووي الايراني في ذروته، والشيء نفسه يقال عن النفوذ الايراني المتزايد في العراق.
يستعصي علينا فهم هذا الموقف السعودي، وان كنا نعترف في المقابل بثبات الموقف المصري تجاه ايران على مدى العقود الماضية، ومنذ اطاحة نظام الشاه، فبعض جوانب هذا الموقف السعودي تبدو غامضة وتحتاج الى تفسير، خاصة قول وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل بضرورة ان تتم التدخلات الايرانية في قضايا المنطقة عبر القنوات الشرعية. فهل يطالب الامير السعودي ايران ان ترسل اموالها الى حركة ’حماس’ عبر السلطة في رام الله، والاسلحة الى حزب الله عبر حكومة السنيورة في لبنان؟
النظام الاساسي الضابط للقمم العربية لا ينص على عدم دعوة اي رئيس غير عربي لا يرضى عنه الآخرون، والمساواة بين رئيس ايران ورئيس وزراء اسرائيل في هذا المضمار امر خطير، وغير مقبول، فايران دولة مسلمة وشقيقة، اما اسرائيل فدولة عدوة، ومن يجادل في ذلك عليه الرجوع الى المواطنين العرب الذين من المفترض ان يكونوا مصدر كل الشرعيات بالنسبة الى الانظمة، وربما يفيد التذكير بأننا العرب فتحنا بلاد فارس، وادخلنا اهلها في الاسلام، وحكمناها لقرون عديدة.
ومن المفارقة ان من طالب بانضمام ايران الى تحالف اقليمي ـ عربي ـ تركي ـ اسرائيلي هو الشيخ خالد آل خليفة وزير خارجية البحرين، الدولة الاكثر عرضة للتهديد من قبل ايران، حسب مفهوم الحكومات التي تحرض ضدها، اي ضد ايران، وتطالب باستبعادها من حضور اي تجمع عربي.
دعوة زعماء دول اسلامية مثل الرئيس الايراني احمدي نجاد ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان لحضور القمة العربية المقبلة قد تكون خطوة منطقية لفتح قنوات حوار مع دول اقليمية عظمى صاعدة، للاتفاق على ارضيات مشتركة وتطويرها، وخاصة ان موقف البلدين تجاه العدوان الاسرائيلي الاخير كان مشرفا بالمقارنة مع زعامات عربية تواطأت بشكل مخجل مع هذا العدوان في وضح النهار.
فعندما تصبح الزعامات رافعة رايات المقاطعة والتصعيد ضد ايران قادرة على تحقيق التوازن العسكري معها، وفرض هيبتها ومكانتها في المنطقة والعالم من خلال مشاريع نهضوية وتنموية عربية راسخة فاننا سنعترف لها بصواب سياساتها تجاه هذه الدولة او تلك، وسنؤيدها اذا قاطعت ايران ومنعت دعوتها الى القمة العربية، وان كنا نعتقد انها في هذه الحالة، حال امتلاك اسباب القوة، لن تخشى هذه المشاركة الايرانية. اما ان تطالب باستبعاد ايران وهي زعامات ضعيفة فاقدة السيادة والحد الادنى من اسباب القوة، في الوقت الذي يتحاور معها (اي ايران) كبار الكبار، ويتراجعون عن مواقف سابقة بعزلها، ويبدأون اتصالات مع حلفائها مثل سورية ويعترفون بأذرعها العسكرية المقاومة مثل ’حزب الله’ و’حماس’، فهذا ما لا يمكن فهمه او تفهمه