ليس حماسا للسينما أو "كرها" للدراما التلفزيونية، لكن مهرجان السينما يدخلنا إلى أجواء يبدو أنها خرجت من الثقافة إلى الأبد، فحتى مساحة المشاعر التي ترسمها العروض تبتعد عنا، وعندما نشاهد من بعيد عرضا في الهواء الطلق من خلال فيلم أجنبي نحاول أن نبحث في داخلنا عن مكونات ثقافية جديدة لكل هذه الفنون، وربما لا نجد سوى قدرتنا على إعادة إنتاج "عاداتنا" بأحدث الأساليب.

المسألة ليست في الترويج أو وجود إنتاج خاص، رغم أنهما عاملان أساسيان لظهور صناعة سينمائية، فقبل كل شيء هناك "الاقتناع" بأن السينما ليست فنا "منفردا"، أو ممكنا خارج المشاركة الاجتماعية، فهي ترتكز إلى "الصالة" وإلى الرغبة بالحضور، وهي أيضا "لقاء" حتى مع أشخاص ربما لا نعرفهم كي نستمتع بفن مركب يوازي "المركب الاجتماعي" المرافق له....

ربما قفزت "الدراما التلفزيونية" فوق الجميع، وخلقت نجومها وحواراتها، لكنها على ما يبدو مناسبة تماما لثقافة "إغلاق" الذي نهواه... إغلاق اجتماعي إن صح التعبير جعل منها أسيرة الحدود التي وضعتها "الرقابة" مهما كان مصدرها، لكنها في النهاية رقابة تتواكب مع الذهنية التي ترفض اعتماد المنتج الثقافي كحالة مترابطة مع كل عاداتنا.

"الدراما التلفزيونية" ضرورة لكنها متناسبة أكثر مع رؤيتنا الثقافية، بينما "عالم السينما" يبقى حتى اللحظة وكأنه هارب من فضاء آخر، حيث كنا قادرين على "تدجينه" من خلال عروض تبثها الفضائيات مدبلجة ومرقعة وقادرة على الحفاظ على الحياء العام، فننسف الرؤية الفنية على حساب سرد القصة التي تبدو وكأنها حكاية نسمعها من الحكواتي.

ربما لا يستقيم في السينما سوى الحرية المطلقة، بينما يمكننا في الدراما الأخذ يحيثيات إضافية، فهي "تدخل كل بيت"!!! لكننا قررنا ان لا تدخل السينما كل بيت لأننا عاجزون عن ضبط إيقاعها وفق الثقافة القديمة، وعندما ياتي مهرجان السينما نقف وكأننا مذهولون مما يحدث وكأنه بدأ وانتهى في أسبوع، بينما تغري كثافة العروض باقتناص الفرص...

يمكن لنا أن نقف فقط عند حدود ما تفرضه الثقافة الحالية، أو نطمح بتحول ثقافي، أو حتى نحلق وراء العروض السينمائية التي تقودنا لعالم آخر.. فهو عالم بلا شك غير مألوف إلا أنه في النهاية يحمل لنا طابعا لن تعوضه الدراما مهما حاولنا أن نجعلها رمزا للإبداع.