يمكن أن تكون لوحة ناقصة، أو لغة سقطت منها التعابير، فما بين اللون والكلمة نستطيع التوقف قليلا والتنزه على هضاب تأخذنا بعيدا حيث نستطيع أن نبدأ بحرية دون أن يقف علم النحو على شفاهنا، أو يطالبنا أحد بأن "نعرب" جملة نراها متسقة ويراها هو تراكيب مفردة، فلغتنا تبدأ حيث نحن، وتنطلق من لحظة تحريك الشفاه لأنها إبداع يحاكي ربما القبلة، أو يستمر في التناغم مع الجسد أو حتى يرافق نظرات العيون.

ولغتنا لا تحتاج لجهابذة وفقهاء لغويين، لأن الكتب المعروضة في الواجهات كافية لإقناعنا بحجم الثرثرة التي تراكمت منذ أن قررنا التدوين، ففي النهاية تقف عند حدود الخوف الذي ينتابنا كلما فكرنا بالأشياء، أو تخيلنا المحرمات شبحا ينقض في كل لحظة، وهي لغة ربما تتطلب تكسير ما اعتدنا عليه والثورة على "مزاجنا الحضاري" القديم، بعد أن تكسرت حياتنا المعاصرة، وأصبحنا محاصرين بالسياسة والاستباحة وبالمشاهد المصورة التي أصبحت أكثر إقناعا من المعلقات العشر.

هل يمكن لخيالنا تجاوز المشاهد الحالية؟ أو القفز على اعتبارات "الحياء العام" المخدوش بفعل الاحتلال وجرائم الشرف وعهر التصريحات السياسية؟ وهل نستطيع التأسيس للغة قادرة على معانقة الإناث أو الرقص أمام المراهقين والمراهقات وهم يكتشفون أجسادهم؟ ففي الحروف التي نملكها يمكننا أن نعيد سيرة الخط الكوفي، ونتسلى بالرسم على الجدران حتى يصبح الفن وكأنه خطوط تلتف حولنا بينما أعيننا مشدوهة من حجم الجهد المبعثر، أو من القدرة على تجاوز المكتوب سابقا والمحفوظ عن ظهر قلب، فعندما تستطيع العين أن تقفز وراء اللون وتترك القلب يخفق لمجرد أن الحياة مستمرة عندها ستظهر حروف جديدة، سيتم اختصار المعلقات بحرفين أو ثلاثة لأن الأجساد لم تعد تستطيع الانتظار حتى تكمل الجملة.

ليست معضلة لغة محفوظة في الكتب، أو منمطة على قوالب من النصوص الخاصة بإخراج القواعد والمبني والمعرب، أو الممنوع من الصرف... لأننا محجوبون على ما يبدو من ترك الدفين ينسفح على الحاضر.... هي لغة قاصرة عن تأسيس مملكة يستطيع الجميع دخولها كما يشاؤون؛ عراة أو منقبين... أو حتى حالمين بفردوس على الأرض.