على الرغم من التحضيرات والاعتمادات المالية السخية التي رصدتها الحكومة الإسرائيلية والوكالة اليهودية لصالح المشروع الديموغرافي الطموح الذي أعلنه شارون أمام مؤتمر محرري الصحف والمطبوعات الإسرائيلية بتاريخ 28/11/2001 والقاضي بجلب مليون مهاجر يهودي جديد على امتداد السنوات العشر الفاصلة بين الأعوام 2002 و2012، يمكن القول إن كل الاعتمادات المالية والجهود المبذولة لإنجاح المشروع المذكور الذي تقدم به شارون باعتباره على رأس الأولويات، والهدف الأول والأسمى لحكومته، لم تثمر شيئاً على أرض الواقع. أو بتعبير أدق، لم تكن متوافقة بالمطلق مع الآمال والجهود المبذولة من قبل فرق العمل واللجان الرسمية التي بدأت تنشط في أوساط الجاليات اليهودية التي رشحها شارون لتكون بمثابة الروافد الثلاثة التي ستزود إسرائيل بنحو ثلاثة أرباع المليون من المهاجرين اليهود حتى عام 2010، أي في أوساط الجاليات اليهودية في أميركا اللاتينية، وبخاصة الجالية اليهودية في الارجنتين التي تعد نحو 200 ألف نسمة، والتي كان من المتوقع هجرتها بالكامل الى إسرائيل بفعل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي بدأ يشهدها هذا البلد اللاتيني منذ عام 2001، وبفضل مغريات الإعلان الرسمي الصادر عن الحكومة الإسرائيلية بعد أقل من شهر على إطلاق شارون لمشروعه والقاضي (أي الإعلان الرسمي) بمنح 20 ألف دولار من حساب حكومي خاص، إضافة الى 2500 دولار من حساب الوكالة اليهودية، لكل أسرة يهودية مهاجرة من الأرجنتين. وفي أوساط الجالية اليهودية الفرنسية التي تعد نحو 500 ألف نسمة والتي كان من المتخيل بفعل ظاهرة معاداة السامية في فرنسا (التي ضخمتها إسرائيل وعملت على تسريع وتيرتها) نزوح أكثر من نصفها الى إسرائيل وبمعدلات هجرة لا تقل عن 30 ألف مهاجر يهودي فرنسي سنوياً. وكذلك الأمر بالنسبة للجالية اليهودية في جنوب افريقيا التي تعد نحو 80 ألفاً والتي كانت الحكومة الشارونية تتوقع تلبيتها العوة للهجرة الى إسرائيل بمعدل يتراوح ما بين 15 ـ 20 ألف مهاجر سنوياً وعلى أقل تقدير. وبمعزل عن الفشل الذريع الذي مني به مشروع شارون على صعيد الجاليات اليهودية المرشحة للهجرة من قبل الحكومة الإسرائيلية والوكالة اليهودية على حد سواء، والتي تشكل المراهنة على تجاوبها السريع مع الدعوة الموجهة اليها أساس مشروعه الانقاذي على الصعيد الديموغرافي، فإن المصادر الإسرائيلية الرسمية وشبه الرسمية، المتمثلة بمكتب الاحصاء المركزي والوكالة اليهودية، تشير وبالأرقام الى أن معدلات الهجرة اليهودية الوافدة الى إسرائيل خلال سنوات 2002 ـ 2004 والتي كان يتوقع لها أن لا تقل سنوياً عن 80 ـ 100 ألف نسمة، استناداً الى حسابات شارون المعلنة، هي دون الحد الأدنى المطلوب وبكثير. وبأن نسبة الهجرة منذ عام 2002 (التي سجلت انخفاضاً عن عام 2001 بنحو 27 في المئة) باتت تنحسر وتقل عاماً بعد عام بنسب تراوح بين 10 ـ 15 في المئة على الأقل سنوياً، أي أن حركة الهجرة الايجابية بدأت تسجل أرقاماً أقل من السنتين السابقتين على إطلاق شارون ورشة العمل الخاصة بمشروعه الديموغرافي الطموح. وبحسب المعطيات الاحصائية الرسمية الأخيرة فقد وصل الى إسرائيل عام 2004 نحو 21 ألف مهاجر فقط، أي أقل بنسبة 10 في المئة من عدد المهاجرين الذين وصلوا اليها عام 2003، وبحسب التوقعات الناجمة عن هذه المعطيات فإن الأعوام القادمة، أو بتعبير أدق الباقية من المجال الزمني الذي حدده شارون لمشروعه القاضي بجلب مليون مهاجر جديد، ستشهد انخفاض الهجرة السنوية عن الرقم المسجل عام 2004 بمعدل يتراوح ما بين 3 و6 آلاف، ومن المتوقع بدءاً من العام القادم (2006) استقرار معدلات الهجرة لتسجل نحو 15 ألفاً فقط، أي أقل بنحو 85 ألفاً في العام من الرقم الذي يحتاجه مشروع شارون (وأقل بنحو 65 ألفاً من الحد الأدنى السنوي المتوقع بحسب المشروع المذكور وهو 80 ألفاً على أقل تقدير) الذي يهدف "على نحو عام" الى التغلب على الخصوبة العالية عند فلسطينيي عام 1948 المقيمين داخل الخط الأخضر، والتي تكفل لهم مضاعفة عددهم كل 20 عاماً و"على نحو خاص" الى توطين يهود فرنسا والارجنتين وجنوب افريقيا في القدس التي أصبح العرب يشكلون فيها ثلث السكان، وفي الجليل بهدف كسر التوازن الديموغرافي القائم بين اليهود والعرب لمصلحة العنصر اليهودي.
على صعيد آخر لا يقل خطورة عن تقلص الهجرة السنوية الى إسرائيل دون معدلات الحد الأدنى وبكثير، ما زالت إسرائيل تشهد تنامي معدلات الهجرة المعاكسة (رغم تحسن الوضع الأمني وتعافي الاقتصاد منذ عام 2003)، أي هجرة اليهود نهائياً من إسرائيل الى بلاد أخرى، أو الى الدول التي قدموا منها في الغالب، كما هو الحال بالنسبة للمهاجرين الجدد القادمين من روسيا والعديد من دول أوروبا الشرقية المرشحة للانضمام الى الاتحاد الأوروبي مثل بولونيا ورومانيا... إلخ (وحتى ايران التي وصلها خلال شهر كانون الثاني 2005 نحو 30 عائلة ايرانية يهودية قررت الهجرة من إسرائيل والعودة نهائياً الى البلد الذي قدمت منه). وبحسب الأرقام فإن معدلات الهجرة المعاكسة من إسرائيل الى الخارج باتت متساوية، وتزيد في بعض الأعوام، عن حجم الهجرة السنوية الوافدة الى إسرائيل، وبطريقة باتت تهدد إسرائيل التي تحتاج سنوياً الى هجرة يهودية (صافية) قوامها نحو 50 ألف مهاجر سنوياً، بالخسارة على جبهة المواجهة الديموغرافية مع فلسطينيي عام 1948، وفقدانها في مستقبل قريب للامتياز الذي سبق وحافظت عليه كدولة ذات أكثرية يهودية، فبحسب التوقعات السوداوية ـ كما توصف في إسرائيل ـ فإن شح الهجرة الايجابية وارتفاع معدلات الهجرة السلبية في ظل انخفاض معدلات التكاثر الطبيعي عند اليهود، قياساً بأندادهم عرب 48، سيؤدي الى انخفاض نسبة النمو السكاني عند يهود إسرائيل الى أقل من 1 في المئة، أو تدنيه عند حدود نقطة النمو صفر. وهو الأمر الذي سيؤدي في حال عدم وقوع معجزة ما تنقذ إسرائيل من الزحف الديموغرافي الفلسطيني المضاد الذي يمثله عرب 48، الى فقدان إسرائيل صفتها كدولة صهيونية ذات أكثرية يهودية مع اقتراب عام 2035 على أبعد تقدير، وليس عام 2050 كما كان يشاع منذ سنوات خلت في أوساط ومنتديات التلاوين الأشد تشاؤماً في الفكر السياسي والديموغرافي الإسرائيلي.
[1]
[1] كاتب فلسطيني