لا يمكن للخطوة التي اقدمت عليها لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الا ان تكون لها تداعيات على الصعيدين اللبناني والسوري, واذا كان شبه أكيد ان وضع الرئيس أميل لحود بات مهدداً، خصوصاً بعد زيادة التركيز على رجله الأول، اي العميد مصطفى حمدان قائد لواء الحرس الجمهوري، فان السؤال الكبير يتلخص بالآتي: من سيدفع ثمن اغتيال رفيق الحريري في سورية؟
شئنا أم ابينا، كانت سورية كنظام الطرف المسؤول عن الأمن في لبنان لدى اغتيال رمز العروبة الصادقة والحضارية الممثلة برفيق الحريري, ومن هذا المنطلق، فإن أقل ما يمكن قوله ان دمشق تتحمل مسؤولية التقصير في حماية الرجل، علما بان الاشتباه بكل من المدير العام للأمن العام اللواء جميل السيد والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء علي الحاج ومدير الاستخبارات في الجيش العميد ريمون عازار هو اشتباه بسورية كنظام، نظرا الى أنها كانت تتولى وقتذاك توجيه الثلاثة مباشرة في كل الظروف والأوقات، مع الاعتراف بأن اللواء السيد كان مميزا عن الاخرين في ضوء العلاقة المباشرة التي كانت تربطه بالرئيس بشار الأسد, وربما كان ذلك هو السبب الذي جعل اللواء السيد يدلي بحديث طويل الى الزميل غسان شربل، يفهم منه أن الذي يجب سؤاله عن الجريمة هو مصطفى حمدان، أي رجل أميل لحود وليس رجال النظام في سورية, ولكن ما قد يكون افضل رد على إيحاءات اللواء السيد سؤال في غاية البساطة من نوع: رجل من هو أميل لحود؟ ومن وراء التمديد القسري للرجل وهو تمديد وضع سورية قبل لبنان في مواجهة مكشوفة مع المجتمع الدولي؟
تكمن أهمية الخطوة التي أقدم عليها رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي الألماني ديتليف ميليس في أنه أعطى التحقيق اتجاها معينا بتركيزه على أدوات النظام السوري في لبنان من جهة واداة اميل لحود من جهة اخرى, واذا كان هناك أي شك في الاتجاه الذي اختاره ميليس، تكفي الإشارة الى ان الشخص الخامس الذي أراد استجوابه كمشتبه به هو نائب سابق، يخجل المرء من كتابة اسمه، كل ما هو معروف عنه أنه من ارتكابات الأجهزة السورية في لبنان، نائب فرض على رفيق الحريري فرضاً في انتخابات العام 2000 على طريقة الخوات التي كانت تفرض عليه بين الحين والآخر, وكان الراحل يتقبل كل هذه الخوات بطيبة خاطر ويسددها بكل أسف ارضاء للنظام في سورية وحرصا منه عليه, ربما لم يسمع رفيق الحريري ، على الرغم من أنه علق في منزله الباريسي عبارة «اتق شر من أحسنت اليه»، بالمثل الفرنسي القائل: هناك خدمات كبيرة الى درجة لا يمكن الرد عليها سوى بنكران الجميل.
يبقى أن ميليس لم يضع التحقيق في اتجاه معين فحسب مشيرا بالبنان الى الجهة التي ستدفع الثمن في لبنان، بل أراد أيضا القول على طريقته أن كل المحاولات التي بذلت لتغطية الجريمة باءت بالفشل, وتبدأ هذه المحاولات بإطلاق إشاعات تستهدف توجيه الاتهامات الى «حزب الله»، الذي يستبعد أن تكون لقيادته علاقة مباشرة بالذي حصل، وتنتهي بمقالات لصحافيين يكتبون بتوجيهات يتامى النظام الأمني السوري ـ اللبناني عن أن التقرير الذي سيصدره ميليس سياسي أولا واخيرا وأن الهدف توجيه اتهامات الى النظام في سورية ليس إلا, ومرت هذه المحاولات باستحضار العماد ميشال عون الى لبنان في الوقت المناسب كي يستكمل دور الأداة السورية، من حيث يدري أو لا يدري، ويساهم في توفير غطاء للمجرمين والذين يقفون خلفهم.
كل هذه المحاولات لن تمنع لجنة التحقيق، التي أكد رئيس مجلس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة «الثقة التامة» بها، من الوصول الى الحقيقة، وهي حقيقة تستدعي التساؤل منذ الآن: من سيدفع الثمن في سورية ما دام صار شبه معروف من سيدفعه في لبنان؟