تسعى سورية في ضيق واضح إلى مواجهة التأثير السياسي والإعلامي، الذي يتركه تقرير ميليس على صورتها في العالم. وفيما تنفي كل ما ورد في التقرير، تعرض التعاون مع التحقيق في المراحل الآتية منه. لكن دمشق تواجه موجة إعلامية دولية بأدوات ولغة غير فعالة. فالإعلام الدولي في مرحلة، ووسائل الإعلام السورية في عصر سابق. وصحف دمشق تحاول، بلغة متكررة أن تردّ عن سورية مجلس الأمن وإعلام العالم ومحطاته، وصحافة العالم العربي، من «الأهرام» في القاهرة، الى صحف الخليج وصحافة أوروبا.
ولا شك لحظة في أن لسورية كل الحق، في أن ترد عن نفسها تهمة في حجم اغتيال الرئيس الحريري. أو أن تنفي أن يكون رجل مثل فاروق الشرع، قد ضلل التحقيق، أو أن نائبه السفير المعلم قد هدَّد الحريري، كما ورد في التقرير. كما لا شك أن ميليس تعدى النظام الأمني إلى رموز الديبلوماسية السورية، متجاوزاً تخمينات الأمم المتحدة. ولكن دمشق اخفقت في الإعداد لرد العاصفة. والنفي لا ينفع وحده في اقناع الرأي العام الدولي. ولا اتهام أميركا بما هي عليه، أي أنها تعادي سياسة سوريا وثوابتها القومية. وهذه لغة مخاطب بها المجتمع السوري وليس خصومه ومحاصروه ودعاة عزلته.
والحملة على سعد الحريري نقطة ضعف أخرى في المؤسسة الإعلامية، بلغت ذروتها بالقول إن الرجل هو الذي قتل والده. وقد صدرت مجموعة مقالات وتصريحات ومواقف في الأسابيع الأخيرة، تسيء أمام العالم إلى صورة دمشق السياسية. وأصبح من الممل اتهام عائلة فقدت رمزها، وبلد فقد أبرز سياسييه، بالعمل لأميركا وإسرائيل، فكلما لجأ الإعلام الرسمي السوري إلى هذا الغلو، فقد في لبنان مساحة شعبية أخرى. ولم يعد معارضو سورية في بيروت الآن من «الانعزاليين» و«العملاء»، بل أصبحوا بعد اغتيال الحريري من غلاة القوميين، وأقرب الحلفاء السابقين الى دمشق. والاستمرار في تنعيت هؤلاء وتوصيفهم وتخوينهم، سوف يؤدي إلى بعدٍ أبعد وفجوة أعمق. فهؤلاء في النهاية هم حلفاء سورية الأصيلون لا الطارئون ولا المخوفون ولا الوصوليون. وهذا الأسلوب في الإعلام السوري، يزيد في كسب الخصوم لا في استعادة الحلفاء. وان تنفي سورية تقرير ميليس، وما ورد فيه فهذا حقها، أما أن تصعَّد الحملة على وريث رفيق الحريري وفاقد أبيه، فخطأ إنساني وإعلامي يتكرر ويتكرس. إذ يحق لسعد الحريري، على الأقل، أن يحزن.