بدايات العام الحالي جاء السفير وليد المعلم الى بيروت موفدا من دمشق في مهمة معلنة: إصلاح، او محاولة إصلاح، العطوب التي تركها أداء الضابط رستم غزالي على حلفاء سورية وخصومها. وخصوصاً على الحلفاء، الذين كان يعاملهم بأسلوب لا يتميز باللياقة او التقدير او الاعتبار. وسبقت الدكتور المعلم الى بيروت سمعته من عارفيه في واشنطن، وهو انه على دماثة مشهودة. التقى المعلم الرؤساء الثلاثة. ثم معظم السياسيين. وخرج ذات يوم يصرح للصحافيين عن مهمته فقال: «المعروف ان سورية لا تتدخل في شؤون لبنان»!
هناك نوعان من الديبلوماسية. المصارحة والمكابرة. والفرق بينهما كالفارق بين الخط المستقيم والخطوط المتشابكة. وهناك من قد يفرح للأزمة الدولية التي تلتف حول سورية اليوم، ولست بينهم. انا، بكل تواضع، كنت اصارح اصدقائي من كبار المسؤولين السوريين، حول بعض حلفائهم وحول أداء الموظفين السوريين وما يترك من أثر في النفوس.
وما يحدث اليوم لا يسر الاكثرية الساحقة من العرب. وجولة السفير المعلم ما بين قطر وعمَّان طلباً للوساطة، لا تتماشى ابداً مع تصريحه الشهير في بيروت بأن سورية لا تتدخل في الشؤون اللبنانية. ان سورية تدفع اليوم، للأسف الشديد والعميق، ثمنا تاريخياً باهظاً لتصرف موظفين و«محللين» وبعض الحلفاء المشعوذين. واليوم نرى العمال السوريين يخافون العودة الى لبنان، والجيش اللبناني على الحدود مع سورية للمرة الاولى في التاريخ، والحكومة اللبنانية تطالب بترسيم الحدود للمرة الاولى منذ 1964، وتطالب بتبادل السفارات بين الدولتين للمرة الاولى على لسان رئيس الوزراء.
تمرّ سورية في اسوأ ازمة عربية منذ الانفصال. ويلغي رئيسها زيارة مقررة الى الامم المتحدة، كما تتردد الدول الاوروبية عن توجيه الدعوة اليه، بعد امتناعها عن دعوة الرئيس اللبناني اميل لحود. ثمة اسئلة فات أوانها الآن. ماذا مثلا، لو اعتبرت دمشق انه يحق للبناني آخر غير اميل لحود الوصول الى الرئاسة ؟ ماذا لو اختار مندوبها في عنجر ان يكون اكثر تأدباً مع الرئيس رفيق الحريري، وان يخاطبه كرجل محترم وليس كأنه يمَّن عليه بكل نعمة لقيها ؟ ماذا لو قررت سورية ان تتعاطى مع جميع اللبنانيين بدل ان تعزل فريقا وتحكّم فرقة من المحسوبين؟