يبدو ان دمشق قد اختارت سبيل المواجهة في المناخ الدولي القائم، مع انها تركت الباب مفتوحاً، او مشقوقاً قليلاً، عندما رفضت تقرير ميليس دون ان ترفض في الوقت نفسه مبدأ التعاون مع لجنة التحقيق برغم ما ورد في التقرير من عناوين أثارت هذا الرد الواضح في سورية.
لقد دخلنا الآن في خط تصعيدي واضح، بعيداً عن تموجات المرحلة الماضية التي اتسمت بالليونة. وكان الرئيس السوري قد قال في البداية انه ليس صدام حسين ولن يأخذ بلده الى مواجهة مع الأسرة الدولية، وفي آخر وأهم تصريحات له حول المسألة، قال إن اغتيال الحريري خيانة وإن كل من شارك فيها سيعاقب بهذه التهمة. ومعروف ان عقاب الخيانة الإعدام.
واعتبرت سورية انها ابدت التعاون المطلوب مع التحقيق عندما سمحت للمحقق ميليس باستجواب الذين طلب استجوابهم. غير ان التقرير يقول ان الاستجوابات تمت في حضور رجال لا ضرورة لحضورهم. ووصفت سورية هؤلاء بأنهم مدونون للمحاضر. وبعد أيام أقدم احد المستجوبين على الانتحار، متأثراً بما ورد عنه في الإعلام اللبناني.
دخل الفريقان، سورية ومجلس الأمن، او سورية والثلاثي الغربي، في منطق المواجهة. ومنذ ان اصدر المجلس القرار 1559 حول خروج سورية من لبنان، وهو يصدر القرار بعد الآخر. ويومها كتبت هنا، اننا ذاهبون الى قرارات ومتاهات لا نهاية لها. وكان ذلك قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وما زلت اعتقد الآن ان لا مخرج الا بالتسوية. فالمواجهة غير متكافئة. ووسائلها غير متساوية. وعواقبها ستؤدي الى ضرر وخيم.
ما هو المخرج؟ ما هي التسوية؟ لست ادري. هذه مرحلة مصيرية تقررها سورية وحدها، في ضوء مصالحها الوطنية والقومية، لكن الذهاب الى الحرب، سياسية او عسكرية، في ضوء المعطيات الحالية، خطأ استراتيجي في بلد كان فيه الرئيس حافظ الاسد استاذ الاستراتيجيات في المنطقة. ففي سابقتين معروفتين ارسل كارلوس الى الخرطوم وارسل عبد الله اوجلان الى نيروبي، درءاً للخطر الأكبر. طبعاً الوضع ليس مشابهاً الآن. ولكن على اختلافه، تظل ابواب التسوية مفتوحة. فالتقرير حتى الآن مجرد مطالعة في الشبهات وليس ادانة. ومن الخطأ التعامل معه كذلك، وكأن دمشق تؤكد ما جاء فيه بهذه الطريقة من الاعتراض.
الا اذا كان القرار المتخذ في دمشق نهائياً. اي الذهاب في النقض حتى النهاية وتجاهل ما يمكن ان يصل اليه مجلس الأمن، مدفوعاً من اميركا، ومن سفيرها الحالي الذي اعترض على «يمينيته» حتى المحافظون الأميركيون.
قاتم الجو في الشرق الأوسط.