كان الاتحاد السوفياتي والصين يتصارعان على كل شيء في كل مكان. وحيثما اندفعت موسكو بكل قواها كانت بكين تحاول التسلل من الباب الخلفي والاكتفاء بأي كسب على قاعدة القناعة كنز لا يفنى. وفي مرحلة من المراحل رأت في الثورة الجزائرية فرصة ذهبية لكي تكرر في شمال أفريقيا حرب الفيتنام، أو «الهند الصينية» آنذاك. لكن كيف يمكن لها أن تقفز فوق رأس موسكو إلى قيادة الثوار؟ كان العقيد هواري بومدين قد اتخذ قراره وموقفه. انه في حاجة إلى السلاح السوفياتي وليس إلى «الكتاب الأحمر». وبحثت الصين عن طريق إلى الثوار فوجدته في المغرب. وقررت بكين الشيوعية الماوية، التقرب من الرباط الملكية لكي تحاول التمدد منها إلى مساعدة الثورة. وبذلت في ذلك جهدا كبيرا صدَّه هواري بومدين باستمرار.
كان ذلك عصراً تريد فيه الصين أن تصدّر الثورة إلى العالم الثالث. وكانت روسيا تريد أن تصدّر نسختها من كارل ماركس. وكانت تحلم بمرسى في دفء المتوسط، في أي مكان من زرقته. من وهران إلى اللاذقية. والذين اقنعوا دمشق الأسبوع الماضي أن روسيا والصين ستقفان إلى جانبها في مجلس الأمن لم يصلهم بعد ما حدث للعصر الماضي. ولم يقرأوا أن الصين الآن تحمي الدولار الاميركي. وان حجم التبادل بين روسيا وأميركا يفوق كل تجارات العالم الثالث مجتمعة.
لقد اقترعت الجزائر في مجلس الأمن إلى جانب روسيا والصين. هذا هو عالم اليوم. إن الصين تتجه لأن تكون اكبر دولة رأسمالية في العالم بعد عقدين. وروسيا تبيع في الساحة الحمراء العطور الفرنسية. و«الكتلة الشرقية» أصبحت إما في الحلف الأطلسي أو في الوحدة الأوروبية. والمانيا الشرقية تشتغل عند المانيا الغربية التي دفعت عنها ألف مليار مارك. وعندما اقرأ «المحللين» الذين يقدمون لسورية حسابات الخسارة والانتصار ويقنعونها بأنها سوف تنتصر على العالم أجمع، أشعر في داخلي بالخوف. وأتذكر المحللين الذين اقنعوا صدام حسين بالوقوف في وجه العالم لأن الاتحاد السوفياتي سوف يغير المعادلات. وعندما وصل طارق عزيز إلى الكرملين وقابل ميخائيل غورباتشوف، اكتشف أن الذي تغير هو الكرملين. وحاول عبثاً أن ينقل الرسالة إلى صدام. كان يصدق فقط ما يريد.