كوندوليزا رايس، وزيرة خارجية أمريكا، تستطيع أن تطالب سوريا بتغيير سلوكها. أما فاروق الشرع، وزير خارجية سوريا، فلا يستطيع أن يطالب الدولة العظمى بشيء. الفارق بين الموقعين شاسع، هو المسافة بين غطرسة القوة ودونية الصغير والمستفرد في العالم.

ليس في الدنيا من يتجرّأ على لوم الدولة العظمى، حتى لا نقول تقريعها، على انحيازها الأعمى للارهاب الصهيوني في فلسطين، أو على فظاعاتها في العراق الذي جعلت منه مشروع فتنة يومية، أو على هتكها كل الشرائع الدولية في تعاطيها مع المساجين في أبو غريب وجوانتانامو، وقس على ذلك كثيراً من التجاوزات والعربدات التي ترتكبها أمريكا في شتى أصقاع العالم، فهي تمارس الديمقراطية في الداخل وتمارس العسف والاستبداد في الخارج. أما سوريا فليس في الدنيا من لا يكشّر عن أنيابه في تهديدها أو التجرّؤ والتطاول عليها، فالكل يسير في ركب الدولة العظمى أو، في أضعف الإيمان، لا يتجرّأ على معارضتها في أحكامها على الدول الأصغر أو الأضعف، فهذا ويا للسخرية منتهى الحصافة والحكمة.

نحن كمواطنين عرب نجد أنفسنا قلباً وقالباً إلى جانب سوريا في مواجهة الغطرسة الأمريكية الجائرة، مع ذلك نتمنى على سوريا أن تغيّر سلوكها في غير اتجاه، أول ما نرجوه منها أن تدرك أهمية التوقيت في اتخاذ القرارات، فلا قيمة لقرار صائب إذا جاء متأخّراً. الرئيس السوري أصدر قراراً بالإفراج عن أكثر من مئة معتقل سياسي. لماذا يا ترى لم يفرج عن هؤلاء قبل أشهر أو قبل سنوات ؟ لا بل لماذا يكون هناك أي معتقل سياسي، أليس الناس أحراراً في تفكيرهم السياسي، أيّاً يكن؟ ولماذا يبقى معتقلون لبنانيون في السجون السورية؟ ثم إن الرئيس السوري شكّل لجنة لمتابعة التحقيق في الجريمة النكراء التي أودت بحياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتعاون مع لجنة التحقيق الدولية. ما كان أعظم هذا القرار لو صدر قبل بضعة أشهر، حتى قبل جلاء القوات السورية عن لبنان ؟ ثم ماذا ينتظر الرئيس السوري الشاب لإطلاق الحريات العامة وتطوير الحياة الديمقراطية في سوريا؟ أما إذا كان المقصود من مطالبة سوريا بتغيير سلوكها التخلّي عن ثوابتها القومية، فنحن مع صمود سوريا وعنادها حتى النهاية. إذا كان المقصود إرغام سوريا على التحالف مع الاحتلال الأميركي للعراق، أو التخلّي عن المقاومة في لبنان مادام لبنان يتعرّض لاعتداءات جوية وبحرية شبه يومية وترزح بقعة من أرض لبنان تحت الاحتلال، أو التوقيع على صلح منفرد مع الكيان الصهيوني وبالتالي إحكام الحصار على الانتفاضة الفلسطينية واستفراد السلطة الفلسطينية في المواجهة مع الاحتلال الصهيوني، فهذا ما نربأ بالرئيس السوري الشاب الإقدام عليه مهما كان الثمن. كانت سوريا حصناً للعروبة ويجب أن تبقى.

أخيراً، نهيب بالحكمين السوري واللبناني أن يسارعا إلى إعادة تفعيل آليات التواصل بين البلدين الشقيقين على أوسع نطاق، وذلك بعقد لقاء للجنة التنسيق العليا، برئاسة رئيسي الوزراء في البلدين ومعهما الوزراء المختصون، ثم عقد لقاء على مستوى المجلس الأعلى اللبناني السوري من أجل تنقية الأجواء بين البلدين الشقيقين وتوطيد أواصر الأخوة والتعاون والتنسيق. ولا يفوتنا أن هناك من يسعى إلى القطيعة مع سوريا ومن ثم الانغلاق عليها بهدف الانفتاح على إسرائيل والعياذ بالله.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)