صدرت في الفترة الاخيرة اشارات تركية عدة بصدد العلاقة مع سوريا، وخلاصة هذه الاشارت اتخذت طابعاً سلبياً، الامر الذي قد يكون بداية تحول في علاقات البلدين، التي شهدت تطوراً نوعياً في الاعوام الثمانية الماضية في المجالات السياسية والاقتصادية والامنية الى حد صار البعض يصف العلاقات السورية التركية بأنها علاقات استراتيجية.
من بين الاشارات التركية المتصلة بسوريا، كان الدور الذي قامت به انقرة في موضوع العلاقات الباكستانية الاسرائيلية، وقد سبقته اشارة، يتضمنها التحسن في العلاقات التركية الاسرائيلية، ثم اضيف اليه تحسن مماثل في علاقات تركيا مع الاكراد في العراق من جهة وتحسن في العلاقة مع الحكومة العراقية، وتزامن ذلك مع تردّ في العلاقات التركية الايرانية، لكن الاهم في تلك الاشارات صدور تصريحات تركية، تمس السلطة في سوريا، وتكررت هذه الاشارات على لسان عدد من المسؤولين بينهم عبد الله غول وزير الخارجية، وآخرهم رئيس اركان الجيش التركي الجنرال حلمي اوزكوك الذي قال ان سوريا <<كانت تدعم الارهاب ضد تركيا>>، ولها <<مشكلات مع دول اخرى>> وانها <<نظام توتاليتاري>>، وهي <<تقول اليوم شيئاً وغداً تقول شيئاً آخر>>.
لقد وقعت تركيا وسوريا اتفاقاً امنياً في اضنة عام 1998، وضع حداً لصراعات ظاهرة وخفية بين البلدين، ورسم في الوقت نفسه اسس تعاون بينهما، مهدت للانتقال من التعاون الامني الى التعاون السياسي والى تعزيز العلاقات الاقتصادية في خطوات، يمكن القول انها اوسع دائرة تحرك سوري ازاء الدول المجاورة تمت في الاعوام العشرة الماضية.
وكان في اطار التحول الايجابي في علاقات دمشق وانقرة، تعاون البلدين ضد المنشقين من أكراد تركيا المنتمين الى حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبد الله اوجلان الذي كان يتخذ من سوريا قاعدة له، ثم امتد التعاون الامني الى مواجهة المتطرفين الاسلاميين قبل ان يشمل المتهمين بالقيام باعمال ارهابية او بالتخطيط لها في اطار الحرب على الارهاب، التي اندمجت تركيا وسوريا تحت رايتها.
والتحول الايجابي في العلاقات السياسية للبلدين بدا واضحاً في تماثل موقف البلدين ازاء الوضع في العراق سواء في الفترة التي سبقت الحرب عام 2003 او في ما تلاها، حيث عارض البلدان الحرب على العراق، وايدا الحفاظ على وحدة واستقلال العراق، واطلق البلدان في خلال الحرب وبعدها ملاحظاتهما على حركة الاكراد العراقيين وسياستهم سواء في مستوى الداخل العراقي ومنها موضوع الفدرالية او في العلاقة التي ربطت بين اكراد العراق والولايات المتحدة، وكان بين تعبيرات التطور الايجابي للعلاقات السورية التركية محاولة الاتراك لعب دور الوسيط لدفع مسيرة المفاوضات بين سوريا واسرائيل وصولاً الى سلام في المنطقة، والعمل من جهة اخرى على تحسين العلاقات السورية الاميركية، وهو ما حاول رئيس الوزراء التركي طيب رجب اردوغان القيام به في القمة التي جمعته مع الرئيس الاميركي جورج بوش العام الماضي في واشنطن، والتي اتخذ في خلالها اردوغان موقف المدافع القوي عن السلطة والسياسة السورية.
وسط هذه الاوضاع المميزة للعلاقات التركية السورية، صدرت مؤخراً الاشارات التركية التي يمكن ان تنقل علاقات تركيا وسوريا في اتجاه مناقض. وترتبط هذه الاشارات بجملة من الاحتدامات السياسية، التي تشهدها المنطقة، وقد صارت سوريا طرفاً مباشراً في الجزء الاهم منها، ما يؤشر الى سعي تركيا للابتعاد عن سوريا.
لقد شهدت المنطقة في الاعوام الثلاثة الماضية تصاعد الصراع في العراق وحوله، واتهمت السلطات العراقية والولايات المتحدة سوريا بتسهيل مرور المقاتلين الى العراق، ثم انتقل الامر الى لبنان ودور سوريا فيه بعد التمديد للرئيس اميل لحود، ثم اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري.
غير ان الاهم في احتدامات المنطقة ذات التأثير على الموقف التركي من سوريا، يبدو في التقارب السوري الايراني وتضامن القوة الشيعية في لبنان مع بعض الجماعات الفلسطينية الى جانب البلدين، وهو تقارب يتم على قاعدة المواجهة مع القرارات الدولية ولا سيما 1559 و1636، ومن شأن هذا التقارب ان يعيد ترتيب علاقات القوة في المنطقة، وخلط الاوراق في وقت تتزايد فيه احتمالات توسيع دائرة الصراع والعنف في المنطقة.
وتركيا في اشاراتها، ربما تحاول الابتعاد عن دوائر الاحتدام، لكنها من جهة اخرى، لا بد انها متخوفة من تقارب سوري ايراني في وقت يواجه البلدان خطر تدخلات خارجية من الصعب صدها او منع حدوثها طبقاً للمعطيات الحالية، ما يدفع الى انقلاب في علاقات تركيا مع سوريا في اطار ربما يكون ابعد، وهو انقلاب علاقات تركيا الاقليمية.