تعددت وتنوعت في الفترة الأخيرة المبادرات حول انعقاد قمة عربية مصغرة، بل بعض هذه المبادرات، أثمر عقد لقاءات قمة ثنائية وثلاثية ورباعية وأكثر على نحو ما كانته القمة الخليجية الأخيرة في العاصمة القطرية.
غير أن القمم العربية التي انعقدت، ركزت في اعمالها على موضوعات تهم المشاركين فيها بشكل اساسي، او على موضوع محدد، والامر في ذلك ينطبق على القمة السورية ـ الاردنية في دمشق، وعلى قمة القاهرة التي عقدها الملك عبد الله بن عبد العزيز مع الرئيس حسني مبارك في ختام جولته الاوروبية، والقمة التي عقدها زعماء الأردن وفلسطين والسودان واليمن والعراق في القاهرة أواخر الشهر الماضي، ومثلها القمة الخليجية الأخيرة في الدوحة.
ورغم ان اغلب القمم العربية الأخيرة تجاوزت خصوصية أهداف انعقادها، وقاربت بعض الموضوعات العربية والإقليمية الساخنة، والتي تفرز تأثيراتها الراهنة والمستقبلية كما في الصراع العربي ـ الإسرائيلي والوضع الفلسطيني وأوضاع العراق ولبنان والعلاقات العربية ـ الايرانية، فإن تلك المقاربات كانت جزئية، أو أنها نظرت للقضايا من زوايا معينة، تعكس الرؤية الخاصة للمشاركين في القمم أكثر مما كانت تعكس موقفاً عربياً عاماً وهو النهج الذي اعتادت القمم العربية التعامل من خلاله مع الموضوعات العربية والإقليمية التي تهم البلدان العربية، وهو ما يمكن ان تقوم به القمة العربية العادية التي يفترض عقدها بدمشق في آذار القادم.
وفي ظل حساسيات الأوضاع العربية والإقليمية الراهنة، وطريقة تعاطي القمم العربية معها، وفي ظل طول المسافة الزمنية الباقية حتى انعقاد قمة دمشق العربية، فقد تكررت دعوات من اجل قمة عربية مصغرة، تكون مهمتها البحث في الاوضاع العربية الراهنة بغية الوصول الى تقاربات، وربما الى مواقف عربية مشتركة وخاصة بصدد موضوعات ضاغطة تتطلب مواقف عاجلة مثل الوضعين اللبناني والفلسطيني اللذين يعكسان انقساماً حاداً في مستوى البلدين والشعبين موصلاً إياهما الى حدود الكارثة.
وفكرة قمة عربية مصغرة، ليست فكرة جديدة، بل هي جزء من ميراث القمم العربية، ومثالها الأبرز قمة الرياض السداسية، التي انعقدت في العام 1976 وسط انقسامات وصراعات عربية حادة، حضرها ابرز المنقسمين العرب، ووضعوا فيها إطاراً لسياسة عربية محددة ازاء الوضع في لبنان الداخل بوابة حرب اهلية، وكان لقمة الرياض فضل تهدئة الحرب، ولو أنها لم تضع حداً لها.
ومثلما كانت قمة الرياض المصغرة، قمة معالجة عربية للوضع المتفجر في لبنان عام ,1976 فإن قمة عربية جديدة مصغرة، يمكنها ان تلعب دوراً مهدئاً للأوضاع العربية المتفجرة خاصة في لبنان وفلسطين. حيث الصراع السياسي على أشده، وعلائم تحوله الى حرب دموية تكررت لدرجة يمكن معها القول، إن البلدين على شفا الحرب الأهلية، ولكل القوى الفاعلة في البلدين علاقات وثيقة مع المحيط العربي، بحيث ان توافقات وتفاهمات عربية من شأنها المساعدة في التخفيف من حدة الصراعات الداخلية، وقد تضع البلدين على قاعدة حلول للمشاكل الماثلة، اذ تمخضت قمة عربية عن تفاهمات في الموضوعين.
غير انعقاد قمة عربية مصغرة في الوقت الحالي ليس بالامر اليسير او السهل. ويعود السبب لوجود انقسامات عربية حادة، تجد لها امتدادات إقليمية ودولية. والاهم في الانقسام العربي الراهن، محور يضم قوى الممانعة ممثلاً بسوريا وحزب الله في لبنان وحركة حماس الفلسطينية، ويجد هذا المحور دعماً من جانب بعض الدول العربية في بعض مواقفه وسياساته لأسباب وحيثيات مختلفة، كما يجد مساندة تصل حد التحالف من جانب إيران، فيما يقف على الجهة الثانية محور الاعتدال العربي، جامعاً اغلب الدول العربية بينها مصر والعربية السعودية ساعياً نحو تفاهمات وحلول سياسية مبسطة للمشاكل المحيطة ومنها مشاكل الوضعين اللبناني والفلسطيني، ويحظى هذا المحور العربي بدعم ومساندة كبيرين من القوى الدولية ولا سيما اوروبا والولايات المتحدة.
ووسط ظروف الانقسامات العربية الحادة، قد يكون من الصعب عقد قمة عربية مصغرة، غير ان صعوبات انعقاد القمة المصغرة في الوقت الحالي، قد تؤثر على انعقاد القمة الدورية المقررة في دمشق، اذا استمر تردي الأوضاع العربية الحالي في موضوع الانقسام او في التدهورات السياسية والأمنية القائمة في لبنان وفلسطين، مما يفرض تحركاً عربياً نشطاً من اجل تفاهمات عربية، وهو ان لم يؤد الى انعقاد قمة مصغرة تعالج الأوضاع القائمة، فانه سيؤدي على الاقل الى تبريد الخلافات العربية على أعتاب قمة دمشق، وصولاً الى إنجاحها في صياغة تفاهمات او مواقف عربية متقاربة في القضايا الساخنة.
والظروف العربية والاقليمية واحتياجات لبنان وفلسطين والعراق الملحة تدفع نحو تحرك عربي فعال، ليس من اجل عقد قمة فقط، بل من أجل اتخاذها مواقف وقرارات جدية في معالجة الشأن العربي، غير انه من الصعب تحقيق ذلك دون توفر إرادة سياسية لدى الحكومات العربية، التي مازال بعضها يراهن على تغييرات في موازين القوى نتيجة الصراعات الجارية وخاصة في لبنان وفلسطين!