تزايدت في الآونة الاخيرة مؤشرات نهاية شهر العسل الذي يعيشه العراقيون في سوريا، والذي كان يوفر سهولة دخول واقامة العراقيين هربا من حمامات الدم الشائعة في العراق منذ احتلاله قبل أكثر من اربعة اعوام، ما جعل سوريا مركز اقامة لاكثر من مليون ونصف مليون، يمثلون أكبر تجمع للعراقيين خارج بلدهم. ورغم تعدد مؤشرات نهاية شهر عسل العراقيين، فان الاهم فيها وآخرها، توجه السلطات السورية الى فرض تأشيرة على دخول العراقيين، وتتضمن تفاصيل هذه الخطوة قيام العراقيين بالحصول على التأشيرة من السفارة السورية في بغداد لقاء دفع رسوم مقدارها خمسون دولاراَ، وسوف يحصل على التأشيرة اصحاب الفعاليات الاقتصادية، واصحاب التخصصات العلمية، وحملة الشهادات العليا.
وكما هو واضح، فان الهدف الرئيسي للخطوة السورية، هو تخفيف التدفق العراقي باتجاه سوريا، والبالغ عشرات الآلاف يومياً، وجعل هذا التدفق، اذا قيض له ان يستمر مقتصراَ على قدوم فئات نخبوية، تترك آثارها الايجابية على البنية الاقتصادية والعلمية في الحياة السورية. وتمثل التوجهات السورية، بداية تبدل ظاهر في موقف دمشق في موضوع مجيء العراقيين الى سوريا، واستقرارهم فيها، وهو امر يبدو في صلب دائرة الاهتمام السوري، حيث ثمة معلومات سورية، بان السلطات تدرس مدة اقامة القادمين العراقيين، وجعل الاقامة لمدة شهر واحد، يمكن ان تمدد لمرة واحدة لمدة شهرين، الامر الذي يترتب عليه ليس التخفيف من دخول العراقيين الى سوريا فحسب، بل بدء خروج اعداد من المقيمين الحاليين فيها ما يؤدي لانخفاض اعداد العراقيين في سوريا. والتوجه السوري لخفض العراقيين القادمين، والتخفيف من وجود المقيمين، امر مرتبط بعدد من العوامل، اولها تضخم اعداد العراقيين بحيث صارت نسبتهم نحو عشرة بالمئة من اجمالي سكان سوريا، وهو امر يتطلب اخذ احتياجاتهم المختلفة بعين الاعتبار في وقت تعاني فيه البلاد من مشاكل جدية مثل الفقر والبطالة. والحق فان السلطات السورية لم تأخذ احتياجات هؤلاء بعين الاعتبار، الامر الذي شكل ضغطاً على الامكانات السورية المحدودة، وفي هذا الاتجاه صعد الطلب على السلع وعلى المساكن وعلى سوق العمل، ولم تتورع السلطات في تفسيرها لاسباب الازمات الاخيرة التي شهدتها سوريا عن الاشارة الى الوافدين العراقيين في عداد تلك الاسباب.
والعامل الثاني، يتصل بالاختلافات القائمة بين السوريين والعراقيين، او التباينات الاجتماعية والثقافية وخاصة لجهة العادات والتقاليد وانماط العيش، اضافة الى اختلاف ظروف كل منهما، حيث ان السوريين مستقرون والعراقيين في ظروف استثنائية او انتقالية. وادت تلك الاختلافات والتباينات في المناطق التي شهدت حضوراً عراقياً مكثفاً ولا سيما في محيط دمشق الى بعض التطورات السلبية في علاقات السوريين والعراقيين، بل ان نظرات سلبية ترسخت لدى كل جانب عن الآخر، ولو ان السوريين ـ لاسباب مفهومة ـ كانوا الاقدر على التعبير عن مواقفهم. وقد شاعت اخبار عن صدامات بين عراقيين وسوريين، واخرى عن ازدياد الظواهر الجرمية مثل السرقات واعمال العنف وانتشار الدعارة، وهو ما اشارت له تحقيقات صحافية حول وجود العراقيين في سوريا. والعامل الثالث هو عامل خارجي، اساسه وقوع سوريا في محيط اقليمي شديد الحساسيات من الناحية الامنية. بل ان سوريا، كما اعلنت السلطات مرات تعاني من نشاط الجماعات المسلحة، وبعض تلك الجماعات جعل من سوريا معبراً في اتجاهات مختلفة في وقت يعاني فيه العراق ولبنان والاردن وتركيا ومنطقة شمال العراق ذات الامان النسبي من اعمال ارهابية، ويضيف واقع وجود مليوني عراقي او قرابة ذلك اعباء على الهاجس الامني السوري في وقت يسعى السوريون الى تأمين انفسهم وترتيب علاقاتهم الامنية مع دول الجوار بما فيه العراق. ورغم اهمية العوامل السابقة. فإن عوامل اخرى داخلية وخارجية اخرى لها تأثير في اعادة صياغة الموقف السوري من قدوم واقامة العراقيين منها موضوع تمويل اقامة العراقيين، وغياب أي افق لعودتهم الى بلدهم واهلهم وممتلكاتهم، وهو امر لا يمكن ان يتم في ظل واقع العراق الحالي.
لقد بدت سياسة الحكومة السورية في التعامل مع الوافدين العراقيين تجسيداً لشعار قومي، يوافق عليه اغلب السوريين، لكنها كانت سياسة بعيدة كل البعد عن الوقائع والارقام، وحيث ادت تلك السياسة الى اثارة حساسيات سورية ـ عراقية، يفترض التغلب عليها ومعالجتها، وخلفت نتائج اقتصادية واجتماعية اثقلت حياة السوريين، ثم حملت العراقيين بعضاً من تلك الفاتورة، التي سيكون في تفاصيلها وقف تدفق العراقيين الى سوريا او الحد من وجودهم فيها، والامل ان لا تعيد الحكومة السورية من خلال اعادة ترتيب سياستها في موضوع الوافدين والمقيمين العراقيين انتاج اخطائها باشكال جديدة، وتكريس تأثيرات سلبية في العلاقات السورية ـ العراقية