ربما كانت زيارة الملك عبد الله الثاني الى دمشق «مفاجئة» حسبما وصفت، لكنها كانت متوقعة، ومتوقعة في الظرف الذي تمت فيه على وجه الخصوص، ودواعي الزيارة في بعديها الثنائي والاقليمي، أكدت ضرورتها. ذلك ان انسدادات ومشاكل تكثفت في مستوى العلاقات السورية ـ الاردنية في الآونة الاخيرة، اساسها خلافات حول قضايا مشتركة زاد اشتعالها في ضوء خلافات البلدين في السياسات الاقليمية. وفي المستوى الاقليمي، تعمق الاختلاف السوري ـ الاردني بحكم ذهاب سوريا الى تحالف اقليمي مع ايران وحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية، ممثلين معسكر الممانعة في مواجهة تحالف معسكر الاعتدال العربي الذي يضم الاردن والسعودية ومصر، ولان علاقات الدولتين الاخيرتين مع سوريا بلغت مستوى عالياً من التوتر، فقد بدا أن الاردن هو النافذة التي يمكن ان يطل منها معسكر الاعتدال العربي على العلاقة مع دمشق، خاصة وان ما بين دمشق وعمان من خلافات، قد تكون اقل مما بين دمشق والرياض ودمشق والقاهرة، وقد كادت الصلات السورية مع الاثنتين ان تتوقف. ويضاف الى ما سبق كله، ان لدى الاردن قضايا ثنائية مع دمشق تحتاج الى حلول قريبة، ان لم نقل عاجلة.
وبفعل المعطيات المحيطة، كانت الزيارة متوقعة، لكن ما جعلها تتم في هذا الوقت بالذات، جملة من استحقاقات تجتازها المنطقة، أكثرها إلحاحاً وسخونة الاستحقاق الرئاسي اللبناني الذي قال فيه معسكر الاعتدال العربي موقفه في ضرورة تمرير الاستحقاق في أوانه الدستوري، وتأكيد ضرورة الالتزام السوري بالتعاون في هذا السياق للحد مما يشاع عن تردد سوري او عدم تجاوب بالقدر المناسب، كما أن بين الاستحقاقات العاجلة موضوع مؤتمر انابوليس، وقد توالت التأكيدات العربية والدولية على ضرورة الحضور السوري، فيما يبدو موقف دمشق غير محسوم في امر الحضور لاعتبارات تتعلق بالسياسة السورية وخاصة عدم طرح الجولان على جدول الأعمال، ورغبة دمشق في ذهاب المؤتمر نحو خطوات عملية بما يتجاوز مجرد إعلان مواقف لا يتم الثبات عندها من جانب الاسرائيليين والاميركيين.
وثمة استحقاق ثالث، هو الاستحقاق الفلسطيني بما يحيط به من مشاكل بين الفلسطينيين واسرائيل من جهة، وما يدور داخل البيت الفلسطيني من صراعات بين السلطة التي تقودها حركة فتح بزعامة الرئيس عباس وحركة حماس التي تحكم قبضتها على قطاع غزة، وهناك استحقاق رابع، يمثله التطور الخطر لملف ايران النووي وانعكاساته على المنطقة، كما ان الاستحقاق العراقي واحد من الاستحقاقات المهمة في المنطقة وفي علاقات دولها.
وقد جرى بحث الاستحقاقات الإقليمية في القمة السورية ـ الاردنية بغية الوصول الى تفاهمات او تقاربات بين الطرفين، وسط حرص سوري على إنجاح الزيارة لنفي مقولة العزل العربي لسوريا، ومن اجل فتح باب حوار مع معسكر الاعتدال مع اقتراب انعقاد القمة العربية المقررة بدمشق في آذار القادم، ولدى الأردن هاجس تأكيد دوره الإقليمي من جهة، ومعالجة مشاكله العالقة مع سوريا من جهة ثانية، فيما المحصلة المشتركة للبلدين، تخفيف توترات العلاقات الثنائية، التي منعت انعقاد اللجنة العليا السورية ـ الاردنية من الاجتماع عدة مرات، واعادة تنشيط لقاءات مسؤولي البلدين بعد ان وصلـت الى حدودها الدنيا في الأعوام الأخيرة.
لقد اتفق الرئيس الاسد والملك عبد الله في القمة على حيثيات وتفاصيل من شأنها استعادة الأجواء الايجابية للعلاقات الثنائية ومعالجة القضايا المتعلقة بالتعاون الاقتصادي والمياه والحدود والمعتقلين والقضايا الامنية. لكن الاهم في توافقاتهما ما تضمنه البيان المشترك من تشديد على احترام البلدين الكامل لسيادة لبنان وإدانة الاغتيالات التي تمارس بحق اللبنانيين، ورفض اي تدخلات خارجية في شؤون لبنان الداخلية. وتأكيد ضرورة التوصل الى حل توافقي لبناني لتجاوز الاستحقاق الرئاسي في إطاره الدستوري وبما يكفل استقرار لبنان الشقيق ويحفظ مصالحه الوطنية، وتأكيد الدعم الكامل للسلطة الوطنية الفلسطينية في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن صيغة حل الدولتين، ودعوة الشعب الفلسطيني الى توحيد صفوفه ونبذ الخلافات. كما ركزا على أهمية الدور العربي في دعم وحدة وسيادة العراق، وان تكون الحلول الخاصة بالعراق عراقية في الدرجة الاولى بمعزل عن التأثيرات الخارجية.
خلاصة القول في القمة السورية ـ الاردنية، أنها لبت مصالح متعددة لسوريا والأردن، وانها قاربت الاستحقاقات الإقليمية الاساسية بين طرفين لهما مواقف متناقضة، وصاغت توافقاً حول اغلب تلك الاستحقاقات، وهي في هذا قاربت صورة للقمة العربية المرتقبة بدمشق في آذار القادم.