آخر أنباء الأميركي من اصل سوري فريد الغادري، انه سوف يزور اسرائيل في النصف الاول من حزيران القادم. حيث من المقرر طبقاً لمصادر مختلفة، ان يلتقي عدداً من القيادات الاسرائيلية وبعض العاملين في مراكز الابحاث الاسرائيلية، وان يلقي كلمة أمام الكنيست الاسرائيلي. وبرنامج الغادري الإسرائيلي، يكاد يتطابق من حيث محطاته مع برنامج زيارة أميركي آخر من أصل سوري، هو ابراهيم سليمان الذي زار إسرائيل قبل شهرين، وأتمّ فيها كل المراسم التي سيقوم الغادري بها مستقبلاً.
النقطة الاساسية في محتوى زيارة كل من الغادري وسليمان قبله، هي الكلام عن السلام بين سوريا واسرائيل. ورغم ان الكلام في الموضوع لا يمثل جديداً في محتواه، ولا في المرحلة السياسية الحالية، حيث ان سوريا واسرائيل واطرافاً دولية اخرى تتناول في هذه الايام موضوع السلام بين سوريا واسرائيل والسلام في الشرق الاوسط على نحو عام.
الجديد في ما طرحه سليمان، وما سيطرحه الغادري، ان الاول طرح موضوع السلام بين سوريا واسرائيل من زاوية صلته ببعض صانعي القرار في سوريا أي من موقع الموالاة للنظام، وهو أمر نفته دمشق بصورة علنية، فيما يطرح الغادري السلام بين سوريا واسرائيل من زاوية علاقته بصانعي القرار الأميركي وبالتالي في مواجهة الموقف السوري الرسمي، ومن موقع معارض حسبما يصف الغادري نفسه بعد أن أسس حزباً في الولايات المتحدة قبل سنوات، يتبنى معارضة النظام في دمشق وفي المعارضة السورية كثير ممن يعارضون موقف الغادري وأفكاره.
واذا كانت نتائج زيارة سليمان لم تتمخض عن أية نتائج في موضوع السلام بين سوريا واسرائيل، فإن زيارة الغادري لن تكون نتائجها افضل حالاً، ذلك ان حكومة اسرائيل ذاتها ليس لديها موقف في موضوع السلام مع سوريا او غيرها من الاطراف العربية، وليس لدى أي من الاحزاب الاسرائيلية برنامج سياسي في موضوع السلام لا في بعده السوري ولا في بعده العربي. وإلا كانت إسرائيل تجاوبت مع دعوات للسلام توالت من سوريا ومن الفلسطينيين ومن المجموعة العربية بعد أن تبنت قمة الرياض العربية الاخيرة إعادة إطلاق مبادرة السلام العربية التي كانت قد أقرتها قمة بيروت قبل سنوات.
ورغم ان السلام ليس هدفاً اسرائيلياً، فأن يشكل بوابة يمر منها الاميركيون من اصل سوري الى اسرائيل والى الادارة الامريكية، ليس لتعزيز العلاقة مع الطرفين فقط، وإنما بحثاً عن دور لاحق في حياة سوريا المستقبلية، خاصة وان زيارات تمت للاثنين الى اسرائيل في السابق. إن ما يشجع هؤلاء على القيام بما يقومون به على حساب بلدهم ومستقبلها، يكمن في البيئة التي يوفرها الواقع السياسي المحيط في سوريا، حيث يذهب النظام الى تجاهل كل ضرورات الاصلاح والتغيير من الداخل السوري، ويجعل هذا التغيير وكأنه محصور على الخارج، وبمعونة او بتدخل اميركي على غرار ما حدث في العراق، وهذا يجعل بعض الاميركيين من اصل سوري يطمحون للعب دور احمد الجلبي الاميركي من اصل عراقي الذي رافق القوات الغازية عند دخولها العراق، ووسط تلك البيئة، فإن مطالبة المسؤولين السوريين بمفاوضات مع اسرائيل «دون شروط مسبقة» يشجع الاميركيين من أصل سوري على الدخول الى خط المفاوضات السورية ـ الاسرائيلية سواء أكانوا على صلة بالنظام كما ادعى ابراهيم سليمان، او كان يحسب نفسه على المعارضة كما يدّعي فريد الغادري.
حالة ابراهيم سليمان كما حالة فريد الغادري، تشكل خرقاً في اساسيات الموقف الوطني السوري من السلام مع اسرائيل الذي ينبغي أن يقوم فعلاً على الحق والعدل بما يعني عودة الحقوق والارض الى اصحابها، بمعنى عودة الجولان الى السيادة السورية وعودة أصحابه الى مدنهم وقراهم في إطار تسوية شاملة تضمن حقوق الاشقاء الفلسطينيين وفقاً لمضمون القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ولا سيما القرارين 242 و.338
ولا شك في أن إغلاق الباب امام توليد مجموعة من سماسرة التسوية والمتعاملين مع واشنطن وإسرائيل من الأميركيين من أصل سوري، يكمن في امرين اثنين، أولهما إعادة تأكيد ان التغيير والإصلاح في سوريا امر داخلي ينبغي المضي فيه لقطع الطريق امام الخارج في محاولته دخول سوريا او خرقها من هذا الباب، والامر الثاني هو تأكيد النظام في سوريا، ان اية مفاوضات محتملة مع اسرائيل، انما تقوم على مبدأ استعادة الارض والحقوق، ليس فيما يخص السوريين فقط، وإنما بما يخص الفلسطينيين أيضاً، والا فلا معنى لأية مفاوضات، لان نتائجها ستبقي الامور على ما هي عليه حالياً في صورة طغيان وتحكم اسرائيليين وخضوع واستكانة عربيين، وسعي البعض للقيام بدور لا يشرف أحداً!