تملكتني الدهشة وأنا أشاهد السيد الدباغ يتكلم باسم الحكومة العراقية متهما سورية باساءة معاملة اللاجئين العراقيين والتضييق عليهم، يشبه ذلك قصة أب مجرم وسكير يضرب عائلته بطريقة وحشية بحيث تهرب زوجته وأولاده من البيت الى بيت الجيران، وحين يسمع أن عائلته ليست مرتاحة في بيت الجيران يتصل بهم معربا عن احتجاجه وغضبه لسوء معاملة عائلته!

من الذي أجبر شعبكم ياسيد دباغ على الهجرة بالملايين من العراق؟ اليست فرق الموت التي تنتشر كالوباء في كل مكان بمعرفتكم ورعايتكم، حتى لو حاولتم نفي مسؤوليتكم مع كون الوقائع تفقأ العين، اذا لم تكن الحكومة قادرة على فرض الأمن فما فائدتها ووظيفتها؟

نقلت القناة الرابعة للتلفزيون البريطاني تقريرا حول فرق الموت التي ترابط في مستشفيات بغداد منتظرة أي زائر قادم لتدقق هويته الطائفية ثم تقوم بخطفه وقتله، فاذا كانت القناة الرابعة للتلفزيون البريطاني عرفت ذلك وتأكدت منه الا تعرف حكومة بغداد مايجري في المستشفيات وهل هناك فضيحة أكبر من تلك الفضيحة، ماذا فعلتم بعد أن انتشر الخبر عبر العالم كله؟ أين التحقيقات التي فتحت؟ وأين الوزراء الذين استقالوا؟ وأين المسؤولون الذين أدينوا، وأين قوات الأمن والجيش مما يجري في مستشفيات بغداد من وحشية يندى لها جبين الانسانية؟

اذن أنتم الان تغارون على أوضاع اللاجئين العراقيين الذين هجرتموهم من العراق، ثم ماذا عن أوضاع اللاجئين السوريين عندكم؟ هل تعاملونهم وفق مبادىء حقوق الانسان كيلا نقول مبادىء الأخوة العربية، أم ان بيوتهم وأموالهم واعراضهم ودمائهم أصبحت مهدورة كما تقول منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الانسان.

أي زمن هذا الذي نعيشه؟

في المقلب الآخر يستغرب المرء من تلك الأصوات الناشزة التي تتكلم باسم المواطن السوري ( هكذا بدون توكيل ) لتضع كل أزمات الحياة والمعيشة في سورية على عاتق اللاجئين العراقيين (حتى أزمة فقدان اسطوانات الغاز)؟وتتبرع بتحريض المسؤولين على التضييق على العراقيين في محنتهم دون خجل متجاهلة التقاليد الوطنية والقومية للشعب السوري، والطابع الاستثنائي للظرف الذي يمر به الشعب العراقي.

في عام 1948 واثر نكبة فلسطين وصل الى مدينة حماة مئات الفلسطينيين اللاجئين، اذ ذاك وقفت امرأة اسمها سمية الفردوس تخطب في الجمهور في المدينة مستثيرة نخوتهم وشهامتهم لغوث اخوانهم الفلسطينيين فصاح بها أحد المحتشدين : ( ولماذا لا تمنحينهم بساتينك يا سيدة سمية ليقيموا فيها مادمت متحمسة لهم ) فردت السيدة سمية دون تردد هي لهم ومنذ ذلك الوقت أقام اللاجئون الفلسطينيون في حماة مخيما مكان بساتين سمية الفردوس.

فاذا كان البعض لا يمتلك نخوة سمية الفردوس فلا أقل من ان يقول خيرا أو ليصمت وليوفر نصائحه للحكومة السورية.

بدون شك يخلق تدفق اللاجئين مشاكل متعددة ويضع على عاتق الدولة أعباء اضافية، ويمكن لسورية أن تطلب مساعدة الأشقاء العرب، والمجتمع الدولي، وان تستخدم هذه الورقة لفضح ما يسببه الاحتلال الأمريكي للعراق من مآس، وحشد الراي العام الدولي ضد الاحتلال، والشعب السوري الذي فتح صدره لمئات الألوف من الاخوة اللبنانيين حين نزحوا بفعل الحرب الأخيرة، وفتح صدره قبل ذلك للأخوة الفلسطينيين بعد نكبة 1948، حين قرر المجلس النيابي بالاجماع آنذاك معاملة الفلسطيني كالسوري في كل الحقوق التي يتمتع بها المواطن السوري، هذا الشعب لن يضيق صدره بالاخوة العراقيين في محنتهم الرهيبة، ولن يتنكر لواجبه الوطني والقومي والانساني في هذا الزمن الرديء.

كنعان أون لاين