قرأت باستغراب بيان اعلان دمشق المؤرخ في 12/7/2007 بعنوان ( بيان أمانة اعلان دمشق بخصوص توزيع أراض في محافظة الحسكة )، حيث ينتقد البيان بشدة قيام وزارة الزراعة بتوزيع أراض كانت تابعة لمزارع الدولة في منطقة المالكية على فلاحين غمرت أراضيهم بمياه سد الباسل، وقد اضطررت لقراءة البيان أكثر من مرة حيث لم أصدق في المرة الأولى ان اعلان دمشق يعترض على توزيع أراضي مزارع الدولة، وخطر لي أن الأراضي تمت مصادرتها من أصحابها لصالح جهات أخرى، أو ان مزارع الدولة تم بيعها بثمن صوري لبعض المتنفذين والملاك الكبار، لكني تأكدت في النهاية أن اعلان دمشق يعترض على توزيع الدولة للمزارع العائدة لها على الفلاحين المغمورة أراضيهم، لماذا ؟ لمجرد أنهم عرب ولوجود مواطنين أكراد في المنطقة !!
اعلان دمشق اذن يقول لنا هذه المنطقة كردية ولذلك لايجوز للدولة أن تتصرف حتى بمزارعها فيها لغير الأكراد !
هذا يعني اعترافا ضمنيا بحالة تقسيمية، فالوضع الطبيعي ان لي الحق كمواطن سوري في الشراء والاستملاك والاقامة في أي منطقة في سورية، وللدولة الحق في توزيع مزارع الدولة على أي مواطن سوري مستحق، وانكار هذا الحق لايعني سوى الاعتراف بحالة تقسيمية سواء بالنسبة لحق المواطن او حق الدولة.
يقول البيان ان هذا التوزيع يؤدي الى الفتنة ولكنه لم يذكر لماذا ؟ وهل أصبحت اقامة العرب الى جانب الأكراد مصدرا للفتنة؟
حسنا الأخوة الأكراد يتوزعون في سورية بكاملها ولا يشعر أحد ان اقامتهم هنا او هناك تشكل خطرا ومصدر فتنة فلماذا تصبح اقامة العرب في المالكية مصدر فتنة، اليس أمرا غريبا ؟
لو كان ثمة وجه حق لاعتراض كهذا فيفترض أن يكون مؤسسا على ظلم لحق بمواطن او بمجموعة مواطنين، أما أن يتم الاعتراض على وزارة الزراعة لمجرد انها وزعت اراضي مزارع الدولة على غير الأكراد حتى ولو كانت أراضيهم مغمورة ويستحقون التعويض فهذا يقودنا ليس الى منطق رفض الظلم ولكن الى منطق رفض فكرة الوطن الواحد والدولة الواحدة، وسنصبح في وضع مشابه للبنان الذي تشتعل فيه أزمة خطيرة لأن مئات الدونمات قد بيعت في منطقة ذات صفة مارونية لملاك غير مارونيين فهل هذا هو ما يكافح من أجله اعلان دمشق ؟
بالتأكيد ينبغي للمرء أن ينتصر للمظالم الواقعة على أخوتنا الأكراد كما ينتصر للمظالم الواقعة على العرب، لكن مسافة شاسعة تقف بين ذلك المنطق وبين منطق الانزلاق للاعتراف الضمني بكانتونات داخل الوطن الواحد، ومثل ذلك المنطق ليس جديدا فالمتعصبون الشوفينيون في بعض الأحزاب الكردية يجاهرون بوصف العرب في بعض المناطق بالمستوطنين، وتلك مقدمة منطقية للرغبة في تطهير عرقي، لكن انزلاق اعلان دمشق في بيان رسمي للمنطق ذاته ليس أمرا يبشر بالخير.
أن تكون المعارضة ضعيفة اليوم أمر ل ايطعن بمصداقيتها، لكن ان يدفعها ضعفها للسقوط في منطق التفتيت والكيانات فهو أمر سبق ان حذر منه كثيرون منذ صدور اعلان دمشق بما حمله من أخطاء وزلات تم تداركها في التوضيحات التي صدرت لاحقا، لكن طرفا نافذا ضمن الاعلان لم يعترف قط بتلك التوضيحات، ويأتي البيان السابق ليذكر الجميع بأن معركة التوضيحات ما زالت مفتوحة.