يحمل العام 2007 استحقاقات هامة في سوريا، حيث من المنتظر إجراء انتخابات تشريعية، حدّدها مرسوم رئاسي في الثاني والعشرين من شهر نيسان المقبل، حيث سيتم انتخاب 250 عضواً للدور التشريعي التاسع، الذي سيمتد أربع سنوات قادمة. ثم سيتم تنظيم استفتاء حول ولاية جديدة للرئيس بشار الأسد بعد الانتخابات التشريعية. ومن المتوقع أن يجري الاستفتاء في شهر أيار .2007 إضافة إلى ذلك، هناك انتخابات المجالس المحلية، التي ستجري على الأغلب في الصيف المقبل.

وتعدّ الانتخابات التشريعية المقبلة هي الثانية في سوريا منذ وصول الرئيس بشار الأسد إلى السلطة في تموز ,2000 وكذلك فإن الاستفتاء القادم على الرئاسة هو الثاني بدوره. وكانت الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي جرت في آذار ,2003 قد أوصلت كل مرشحي الجبهة الوطنية التقدمية، المؤلفة من عشرة أحزاب يقودها حزب البعث الحاكم، والبالغ عددهم ,167 وهم يمثلون ثلثي أعضاء المجلس، ومن بينهم بلغت حصة حزب البعث لوحده 131 مقعداً، ليبقى 36 عضواً لبقية أحزاب الجبهة. فيما نال مرشحون «مستقلون» المقاعد الـ83 الباقية.

والملاحظ أن الانتخابات التشريعية سوف تجري في ظل قانون الانتخاب القديم، الذي جرى تعديل بعض مواده، حيث عدلت المادة 24 من القانون، بحيث أصبحت تتيح للمرشح بعد الوصل النهائي أن يذيع نشرات بإعلان ترشيحه وبيان خطته وأهدافه، وكل ما يتعلق ببرنامج أعماله على أن يكون موقعاً من قبله وأن يقدم ثلاث نسخ من النشرات والبيانات إلى المحافظ. وجرى تحديد سقف الإنفاق المالي على الدعاية الانتخابية للمرشح بحدود ثلاثة ملايين ليرة سورية، أي ما يعادل 60 ألف دولار أميركي. وبحسب بعض المصادر، فإن بعض المرشحين في الانتخابات الماضية أنفق ما يزيد على 50 مليون ليرة سورية، أي ما يعادل مليون دولار.

ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية، فإن المهتمين بالشأن السوري العام يرجحون مقاطعة مختلف أطياف المعارضة السياسية لها، نظراً لغياب المؤشرات التي تدّل على افتراق هذه الانتخابات عن سابقاتها، وغياب قانون يسمح بإنشاء أحزاب سياسية غير حزب «البعث» والأحزاب الضعيفة الحليفة له، حيث يشكل إصدار قانون جديد للأحزاب والجمعيات مطلباً للمعارضة، كي تتمتع كسواها في بلدان العالم الأخرى بوضع قانوني، فضلاً عن تشكيكها في نزاهتها في ظل استمرار حالة الطوارئ، وملاحقة الناشطين السياسيين والمثقفين، والإصرار على أن يبقى حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع، وعدم إقرار قانون جديد للانتخابات.

والمؤسف هو أن قطاعات واسعة من المواطنين السوريين باتت لا تعوّل كثيراً على استحقاقات ,2007 مع أنها استحقاقات تؤثر في مستقبل البلد وناسه، وتعتبر في معظم بلدان العالم من أهم مقومات وجودها وتطورها على جميع الميادين، السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ومرد ذلك هو عدم تغير واقع الحال، المعيشي والسياسي نحو الأفضل، نظراً للدخول في المزيد من التأزم على كافة الأصعدة، الأمر الذي جعل المواطن لا يكترث بأي ممارسة لا تقترب من الممارسات الديموقراطية المعروفة في عالمنا المعاصر، ولا يستجيب لأي دعوة لا تخضع للقواعد المعروفة في مثل هذه المناسبات، وملّ كثيراً من المعزوفة التي ترد كل الممارسات الخاطئة إلى «ضرورة احترام خصوصيتنا» و«ديموقراطيتنا» المشروطة والملحقة بشعاراتية فارغة.

ويعلم الجميع أن ممارسة الديموقراطية ليست حكراً على أمة أو شعب بعينه، إنما هي ملك لكل الأمم والشعوب، بوصفها منجزاً إنسانياً في متناول الجميع، وتهدف إلى أن يشعر كل مواطن بأنه ممثل في الهيئات المنتخبة، وأن صوته مسموع لدى أعلى السلطات، وذلك عبر تمثيل متوازن في مجلس فاعل ومؤثر على توجهات الحكومة، بينما في المجلس السوري يحتكر حزب البعث لوحده أكثر من نصف المقاعد (131 من أصل 250)، ويسيطر مع حلفائه في «الجبهة الوطنية التقدمية» على نسبة 85٪ من مقاعد المجلس، وعادة ما يكون «المستقلون» أفراداً مقربين من الحزب الحاكم أو شخصيات لا يمكنها فعل شيء مؤثر.

وبالرغم من وجود تعددية في مجلس الشعب السوري، إلا ان العديد من المراقبين يرون أنها تعددية واهية، من جهة أن التعددية المتعارف عليها تتطلب قانوناً عصرياً للأحزاب، يتيح لكافة القوى الحيّة في المجتمع أن تنتظم وتتمكن من خوض الانتخابات على قاعدة البرامج الحزبية، وليس على قاعدة «الكوتا» أو ما يعرف بنظام «المحاصصة» المعمول به حتى الآن، والذي يحفظ للحزب الحاكم على الدوم نسبة أعلى من الخمسين في المئة، فقط لكونه حزباً حاكماً.

وتقتضي الاستحقاقات القادمة في سوريا مشاركة سياسية واسعة، أي إعادة السياسة إلى المجتمع كي يظهر اهتمامه بها. وأمام النظام السوري فرصة كي يتيح المشاركة للجميع بواسطة تصويت الأفراد لاختيار ممثليهم، ومن ينوب عنهم في المجالس التشريعية والمحلية المختلفة، الأمر الذي يقتضي ممارسة ديموقراطية تقرّ بوجود تعددية حزبية واسعة ومختلفة الألوان، من حقها دخول المجلس، كي تستطيع ممارسة رقابة فاعلة على أداء وعمل الحكومة، وبما يجعل الحكومة تحسب حساباً هاماً لدور المجلس عند تنفيذ السياسات والخطط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكي لا تتصرف كأن المجلس على الدوام يقرّ جميع الخطط والمشاريع التي تحيلها إليه وفق عملية روتينية معروفة.

إن من حق السوريين العيش بكرامة وثقة بأنفسهم وبالدولة التي ينتمون إليها، وأن يتمتعوا بالحرية والعدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية، لكن السؤال يطاول الكيفية التي تتحقق هذه الأمنيات من خلال الاستحقاقات الهامة القادمة، وهل يمكن إحياء الأمل لديهم وعودة السياسة إلى مجتمعهم كي لا تنعدم الثقة بالاستحقاقات، ولو على المستوى النظري على الأقل.

هناك من يعتقد بفقدان الثقة بالنظام السياسي، بالرغم من أن السوريين يمتلكون قوة كامنة بالوطنية وبالانتماء إلى الوطن والذود عنه، ومسكونون على الدوام بالأمل بمستقبل أفضل.

مصادر
السفير (لبنان)