غرقت الحياة السياسية التركية في حالة من الفوضى بعد قيام مجهول بتاريخ 27 آذار- مارس بنشر تسجيلين على موقع يوتوب لاجتماع للأمن القومي جرى خلاله مناقشة نية الحكومة توجيه ضربة لنفسها, تسمح لها بالدخول في حرب مفتوحة ضد سورية.
واقعيا, ما من شيء يعمل بشكل طبيعي منذ أن شن القضاء والشرطة حملة واسعة ضد شخصيات رسمية فاسدة نهاية العام الماضي 2013, رأى رئيس الوزراء فيها مؤامرة أحاكها له حليفه السابق, الداعية فتح الله غولن, الذي انقلب ضده. وقد كان رده على المؤامرة بطرد آلاف الموظفين المحسوبين عليه من وظائفهم.
فاذا لم يسترع انتباه الاعلام الغربي من مجمل هذه الفضائح, إلا الاختلاسات المالية, فإن الشعب التركي اكتشف من خلالها السياسة الحقيقية للسيد أردوغان, الذي كان يدعم تنظيم القاعدة في سورية ماليا على حساب تركيا, إلى درجة استقباله لمصرفي القاعدة مرات عديدة, على الرغم من أن الأخير مطلوب للعدالة الدولية من قبل الأمم المتحدة.
لقد ظهر في تسجيلات يوم الجمعة الفائت كل من وزير الخارجية ومساعده, ونائب رئيس الأركان, ورئيس جهاز الاستخبارات. كان الرجال الأربعة يناقشون فكرة عملية سرية ينفذها عملاء سوريون, يمكن نسبها لداعش, لتبرير اجتياح تركي لسورية.
غير أن الحكومة التي أصيبت بحالة من الهلع بمجرد نشر هذه التسجيلات, أمرت بحجب موقع يوتوب, وهددت زعيم العارضة, كمال قليتش دار أوغلو, اثر حديثه عن المؤامرة على شاشات التلفزيون, قبل أن يتم الكشف عنها, كما ألقت القبض, لنفس الأسباب, على أيتاش, فقط لأنه أحد المثقفين المقربين من فتح الله غولن.
هذا الرد المتسلط لأردوغان يوحي بأنه لم يعد يسيطر على الأوضاع.
على أي حال فقد قوض هذا الكشف أي محاولة تركية للتدخل ولو قليلا في سورية.
منذ بداية الحرب وأنقرة تقدم من خلال الناتو دعما لوجستيا للجهاديين يشمل أسلحة وعتادا ومعلومات, كما قدمت غطاء انسانيا لمخيمات عسكرية فوق أراضيها, وقد أمنت التمويل اللازم من خلال نهب آلات المعامل, فضلا عن الكنوز الأثرية في حلب.
وفقا لشهادتين موثوقتين, فإن أنقرة هي من رتبت الهجوم بالكيماوي على الغوطة في شهر آب-أغسطس 2013.
أخيرا, قام الجيش التركي منذ أسبوع بإدخال مئات الجهاديين إلى كسب. وحين تصدى لهم سلاح الجو السوري بقوة, هرعت أنقرة لنجدتهم عبر اسقاط الطائرة السورية. التورط التركي أكبر من أن يمكن لأنقرة نكرانه.
لم تكن أنقرة تقدم الدعم لمعارضة سياسية فحسب, بل لمرتزقة من الاسلاميين الذين يمارسون الارهاب.
لكن إلى متى سيبقى الشعب التركي يقدم الدعم لرئيس حكومة قدم لهم الضمانات الكافية في بداية مشواره عن مغادرته جماعة الأخوان المسلمين, ودعم واشنطن له, وتحقيقه بسهولة نتائج اقتصادية جيدة, قبل الكشف عن طبيعته الحقيقية؟
لقد عاد أردوغان إلى حضن الأخوان المسلمين منذ عدوان حلف شمال الأطلسي على ليبيا, من خلال دعمه لدمار الدولة في ليبيا, ومن ثم في سورية.
لقد ترافق هذا التحول مع انحراف سلطوي جعل من تركيا واحدا من أسوأ البلدان في العالم فيما يتعلق بحرية الاتصال وسجن المعارضين والصحفيين.