منذ ثورة الخميني, وايران لاتنفك تقدم الدعم لجميع الحركات المناهضة للامبريالية في الشرق الأوسط, بغض النظر عن دين أعضائها. غير أن هذه السياسة واجهت معارضة شديدة من قبل أنصار "الثورة الخضراء"عام 2009.
في ذلك الوقت, كان المرشح "الاصلاحي" مير حسين موسوي يصرح أثناء حملته الانتخابية, بعد توجيه التحية لحركة حماس وحزب الله, أنه ليس من واجب الايرانيين تمويل تسليح حركات المقاومة هذه, ولا اعادة اعمار ماتهدم في فلسطين أو لبنان.
عقب انتخابه العام الماضي 2013, حيٌر الشيخ حسن روحاني المعلقين السياسيين حين لوح لهم بمفتاح بيده, ملمحا بأنه سوف يضع ثروات ايران في خدمة شعبه, بدلا من تبديدها في تمويل حركات مقاومة خطرة, بعضها حتى ليست شيعية.
مع ذلك, لم يكترث الشعب الايراني بهذا الجدل الذي اعتبره فذلكة سياسية.
أثناء انتخابه, أثار الشيخ حسن روحاني آمالا واسعة في طول البلاد وعرضها. كان الناخبون الايرانيون مقتنعون بأن بلدهم سيتوصل مع روحاني إلى ابرام اتفاق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من شأنه أن يلغي "العقوبات", ويحسن من مستوى معيشتهم.
استعادت ايران في الوقت الراهن امكانية بيع نفطها في الأسواق العالمية, وفضلا عن استقرار أسعار صرف عملتها المحلية الريال, صار بحوزتها عملات صعبة.
صار بوسعنا الآن حل اللغز : لقد تفاوض الشيخ حسن روحاني بشكل سري على اتفاق سوف يعلن عنه قريبا مع كل من واشنطن وبروكسل. من المؤكد أن هذا الاتفاق يذهب إلى ما هو أبعد من أهداف "الاصلاحي" مير حسين موسوي منذ خمس سنوات. إنه ليس أكثر ولا أقل من ارتماء ايران في أحضان الغرب, هذا على الرغم من دخولها مؤخرا في منظمة شنغهاي للتعاون.
بموجب هذا الاتفاق, سيترتب على ايران تزويد دول الاتحاد الأوروبي بالغاز. الأمر الذي سيمكن أوروبا من التغلب على تبعيتها لروسيا, واطلاق الحرب الباردة.
في 24 أيلول –سبتمبر, أجرى الشيخ حسن روحاني, على هامش لقاء الجمعية العامة للأمم المتحدة, محادثات مع نظيره النمساوي هانز فيشر, نظرا لأن النمسا مسؤولة عن ادارة خط أنابيب مشروع نابوكو. وقد ناقش الرجلان موضوع تمويل ربط حقول الغاز والنفط الايراني المقدر ب 8,5 مليار دولار.
في طهران, المعارضة, التي كانت مشتتة منذ انتخاب الشيخ روحاني, لمت شملها على حين غرة.
بالنسبة لأتباع آية الله الخميني, هذا الاتفاق سوف يقضي على الثورة ويعيد ايران إلى حقبة الشاه, ويجعلها تتخلى عن معركتها ضد الامبريالية لتصبح من جديد مجرد قوة تجارية.
هذا يعني على الصعيد الداخلي عودة من جديد إلى حياة البذخ للقيادة وليس بالضرورة لللشعب.
بالمناسبة, شعوب الشرق الأوسط التي كدست الانتصار تلو الآخر ضد واشنطن ولندن وتل أبيب, لاسيما في لبنان وغزة وسورية, واليمن, سوف تكون مرة أخرى وبالتدريج شعوبا يتيمة ومعوزة.
فجأة, المرشد الأعلى للثورة, آية الله علي خامنئي, الذي كان يبدو حتى وقت قريب رزينا ومتفهما, أبدى استعداده علنا دعم عدة مبادرات لمقربين من أحمدي نجاد والحرس الثوري.
الحرب بين الموالين للولايات المتحدة والمعادين للامبريالية أصبحت مفتوحة منذ الآن.
لكن, وبالنظر إلى توازن القوى في ايران, ليس هناك شك بأنه لن يتم التصديق على الاتفاق الذي فاوض عليه الشيخ روحاني. الأمر الذي سيدفع واشنطن إلى وضع الخطة ب على الطاولة : اطلاق حرب اعلامية واسعة النطاق, من شأنها زعزعة استقرار االبلاد, على غرار الارباك الذي ابتليت به سورية عام 2011.