للمرة الثانية توجه إدارة أوباما اتهاما لتركيا بدعمها للدولة الاسلامية (داعش).
المرة الأولى كانت في 2 أكتوبر, على لسان نائب الرئيس, جو بايدن, بخطابه في جامعة هارفارد.
والثانية في 23 أكتوبر, على لسان ديفيد اس.كوهين, نائب وزير الخزانة, في كلمة له أمام مؤسسة كارنيجي. وجه الاثنان الاتهام لأنقرة بدعمها للجهاديين, وببيع النفط المسروق من العراق وسورية. لكن, وأمام انكار الرئيس رجب طيب أردوغان, اضطر جو بايدن إلى تقديم اعتذار لتركيا, التسي سارعت حكومتها في السماح على الفور لحزب العمال الكردستاني بنصرة الكرد السوريين المحاصرين من قبل قوات داعش في عين العرب (كوباني).
غير أن سلوك أنقرة لم يقنع واشنطن, التي لم تر بدا من تجديد الاتهامات لها.
الشيء المؤكد في هذه المسألة أن تركيا تتمنى لو تقدم داعش على ذبح كل الكرد السوريين, نظرا لأن الكثير منهم هم كرد أتراك, ينتمون لحزب العمال الكردستاني.
ثم فجأة, يصبح دعم حلف ناتو للجهاديين علنيا.
حقيقة, إن تاريخ ارتباط تركيا مع المذابح مختلف عن باقي دول العالم. إنها في الواقع الدولة الوحيدة التي لاتزال تنكر بشدة, منذ نحو قرن من الزمن, المجازر التي ارتكبتها حكومة تركيا الفتاة بحق الأقليات لديها, ولاسيما الأرمن.
لم تتوان الدولة التركية عن دعم الفيلق العربي بقياد الارهابي أسامة بن لادن في البوسنة والهرسك (1992-1995) الذي قام بذبح الصرب الأرتودوكس, أو بدعمهم أيضا في كوسوفو, من خلال تأييد ارهابيي حزب تحرير كوسوفو (1998-1999), وولا في مد يد العون للمليشيات في العراق, التي كانت تذبح أبناء جلدتها من الشيعة والمسيحيين, بدلا من مقاومة الغزاة الأمريكان.
تركيا لم تتورع أيضا بتأطير الجهاديين, سواء في "الجيش السوري الحر" أو في جبهة النصرة لذبح السكان المدنيين في معلولا وكسب.
بالنسبة لتركيا, المذابح, هي خيار سياسي, مثل أي خيار آخر.
صحيح أنها لم تتحمل حتى الآن عواقب تصرفاتها, وبدلا من ذلك فقد عقدت تحالف جديدا مع فرنسا, حصلت بموجبه على رفع الفيتو عن طلب انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي, وأصبحت فرنسا من أوائل المؤيدين لها.
على خطى فرانسوا الأول, وسليمان القانوني, يتعاضد فرانسوا أولاند ورجب طيب أردوغان ضد ايران, واليوم يشدان أزر بعضهما البعض, ليس في مواجهة هاسبورغ, بل الولايات المتحدة.
هنا تجرح البردعة حاملها. إذ كيف يمكن لباريس وأنقرة أن تأملا في أن تمر مؤامراتهما دون عواقب؟
في بداية عام 2013, حرضت العاصمتان على القيام بعملية اغتيال فاشلة للرئيس بشار الأسد ووزير خارجيته, وفي صيف نفس العام, أطلقت العاصمتان الأمر لمرتزقتهم بقصف الغوطة الشرقية بالكيماوي, بهدف اتهام سورية وتوريط واشنطن بتدمير تام لما تبقى من البلد, لكنهما أخفقتا في ذلك.
وفي بداية العام الجاري 2014, حاولت العاصمتان, عبثا, معارضة التغيرات السياسية في الولايات المتحدة عبر اشعال الحرب بين جبهة النصرة وداعش.
لكن, وبشكل أكثر مكرا ورهافة من قطر, اجتمع أردوغان مع كافة السياسيين الفرنسيين في معهد البوسفور, وتمكن من شراء ذمم هؤلاء السياسيين, من اليمين كما في أوساط اليسار, وجعلهم, يؤيدون منذ الآن فصاعدا كل جرائم ومناورات أنقرة.