أثناء حقبة الاستعمار، وعلى مدى سنوات الحرب الباردة، استخدمت القوى الامبريالية الدين لخنق أي محاولة رفض لهيمنتهم. وهكذا نجد أن فرنسا التي سنًت في عام 1905 قانونا هاما يتعلق بعلمانية مؤسسات الدولة، قررت فجأة عدم تطبيقه في البلدان التي استعمرتها.
في خطابه الذي ألقاه في الرياض في 21 أيار الماضي، قصد الرئيس ترامب إنهاء الإرهاب الذي يحرق المنطقة، ويمتد حاليا إلى الغرب.
كان لكلماته وقع الصدمة. فتم تفسير خطابه على أنه ترخيص بوضع حد لهذا النظام السياسي-الديني، وبالتالي إنهاء الإمبريالية
وما لم يكن يخطر على بال أحد خلال ردح من الزمن، تبلور فجأة الآن.
في قبولها وقف كل الاتصالات مع جماعة الإخوان المسلمين، انفلتت المملكة العربية السعودية من عقالها، ضد كل الذين يواصلون التعاون مع البريطانيين، لاسيما ضد قطر. وقد أعطت الرياض إشارة البدء باندفاعة تحمل في طياتها الكثير من الإحباط.
إذا استمر هذا الحراك لوقت أطول، فستتعرض المنطقة لإعادة تنظيم حول انقسام جديد. وستزول مسألة النضال ضد الإمبريالية، أمام المعركة ضد رجال الدين.
لايزال أنصار الإسلام السياسي يشكلون حتى الآن تحالفا قويا بدعم من المملكة المتحدة. ويمكن لهذا التحالف أن يشكل كتلة تضم كلا من إيران، وقطر، وتركيا، وإمارة إدلب في شمال غرب سورية، وغزة.
من الممكن أن تصبح هذه الكتلة الراعي الحقيقي للإخوان المسلمين، وبالتالي، المدافع عن استخدام الإرهاب.
وسائل الإعلام العربية التي كانت تنظر إلى جماعة الأخوان المسلمين قبل أسبوعين من الآن، على أنها منظمة إسلامية سرية شديدة البأس، وتنظر إلى الجهاد كواجب شرعي، انقلبت فجأة على أعقابها. وصار بوسع أي كان وفي كل مكان، أن يندد بمطالب الأخوان المسلمين بالتحكم بحياة الناس، وجنون الجهاد وقسوته.
هذا الفيض من التعليقات، وهذه القرون من الإحباط المتواصل الذي يعبر عن عنف تلك الحقبة، يجعل من أي عودة إلى الوراء أمرا مستحيلا. هذا لا يعني بالضرورة أن يذهب تحالف إيران، وتركيا، وقطر، وحماس إلى نهاية الطريق. لقد انبثقت هذه الموجة الثائرة في عز شهر رمضان.
ففي حال استمر الانقسام، لصالح أو ضد رجال الدين، فإننا سنشهد إعادة صياغة شاملة للمشهد السياسي.
على سبيل المثال، عناصر الحرس الثوري الذين نشئوا على معاداة الإمبريالية الأنغلوسكسونية، تراكم لديهم استياء أيضا ضد رجال الدين الإيرانيين. الكثير منهم لايزالون يتذكرون كيف كان كبار الملالي وآيات الله يخبئون أبناءهم خلال الحرب التي فرضها العراق على بلادهم، بينما كان عناصر الحرس الثوري يستشهدون في ساحات القتال.
لكن بعد أن تضعضعت أوضاعهم خلال الولاية الدستورية الأولى للرئيس روحاني، من غير المرجح أن يجرؤا على الوقوف في وجه السلطة المدنية-الدينية التي تشكلت.
في مقابل ذلك، فإن حزب الله اللبناني الذي يقوده السيد حسن نصر الله، هو شخصية تشجع على الفصل بين المجالين العام، والخاص.
وعلى الرغم من اضطلاع الحزب بوظيفتين، دينية، وأخرى سياسة، إلا أنه عارض دائما الخلط بين الوظيفتين، مع قبول السيد نصر الله المبدأ الأفلاطوني في ولاية الفقيه ( أي أن تكون السلطة بيد حكيم).
لذلك، فمن المرجح أن يتبع حزب الله نهج حكومة روحاني.
ثمة عصر جديد ينهض في المنطقة.