يواظب الرئيس دونالد ترامب تنفيذ تعهداته بحملته الانتخابية من دون كلل. فهو يعتزم الآن استبدال العقيدة العسكرية الأمريكية التي تكونت عقب هجمات 11 أيلول 2001، بعقيدة الرئيس السابق أندرو جاكسون.
ظل يحاول على مدى السنوات الثلاث الماضية الإفصاح عن وجهة نظره، على الرغم من انتقاد وسائل الإعلام له، حتى قبل أن يتكلم، ومعارضة الطبقة السياسية في واشنطن التي تغض الطرف عن ثمانية عشر عاماً من المجازر في الشرق الأوسط الموسع. ويبقى الأمر الأكثر صعوبة بالنسبة له حتى الآن هو أن يكون مسموعاً لدى جنرالات البنتاغون الذي تلقوا تكوينهم المهني إبان إدارتي بوش وأوباما. لذلك اقتصرت انجازاته في الوقت الحالي، على وقف الدعم الأمريكي لداعش.
يأمل دونالد ترامب في الإعلان عن تغيير عقيدة الولايات المتحدة في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الاثنين المقبل، 23 أيلول. المسألة بالنسبة له هي استبدال الحرب بالصفقات التجارية الرابحة، والسيطرة على العالم بالتفاهم مع روسيا والصين وليس بالصدام معهما. ولتحقيق هذا المبتغى، لم يكتف بإقالة مستشاره للأمن القومي فحسب، بل شكره على خدماته الجليلة أيضاً.
وعلى عكس كل ما قيل عن هذا الرجل، فإن بولتون ليس "من المحافظين الجدد". ولم يطمح يوماً في بسط الهيمنة الأمريكية على كافة أنحاء العالم. إنه ينتمي إلى فئة "الاستثنائيين الأمريكان". فهو يعتقد، من منطلق ديني، أنه من المجحف مقارنة الولايات المتحدة مع أي من دول العالم الأخرى، ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تخضع لأي قانون دولي.
أما الرئيس ترامب فهو "جاكسوني"، (نسبة للرئيس أندرو جاكسون). يتغنى ب "الحلم الأمريكي" و "الفار ويست" و( لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى!).
وكما في جميع المسلسلات البوليسية الأمريكية، بين شرطي طيب وآخر شرير، لعب جون بولتون دور الشرطي الشرير الذي يثير الرعب، بينما كان يلعب ترامب دور المطمئن لجميع محاوريه.
إنها لعبة توزيع للأدوار، تسمح لكل طرف أن يقول ما يناسبه بمنتهى السهولة.
على سبيل المثال، حين كان يجري التصويت في عام 2003 على "قانون محاسبة سورية"، ادعى بولتون بمنتهى السهولة أمام لجنة تابعة للكونغرس أن دمشق، على غرار بغداد ، تهدد السلم العالمي بأسلحة الدمار الشامل.
وفيما يتعلق بأفغانستان، واصل دونالد ترامب المفاوضات التي بدأها باراك أوباما في الدوحة عام 2015. وضاعفها من خلال إجراء مزيد من المحادثات غير المعلنة، شملت روسيا والصين.
تتمحور فكرة ترامب حول أفغانستان باستعداده للاعتراف بشرعية مقاومة البشتون للجيوش الأجنبية، في حال أعلنت طالبان عن إدانتها "للجهادية".
لكن عندما جنحت طالبان إلى أخذ موقف متشدد إبان انعقاد قمة كامب ديفيد بتبنيها هجوماً راح ضحيته مواطناً أمريكياً، أعلن دونالد ترامب عن وقف الاتصالات معهم فوراً.
وفيما يتعلق باليمن، لاحظ الرئيس ترامب الخلافات السعودية الإماراتية. فألمح إلى أن الحوثيين ليسوا عملاء لإيران، لكن الظروف أجبرتهم على طلب المساعدة من أجل البقاء. وبينما لا يزال يعلن دعمه للرئيس منصور هادي المختبئ في الرياض، لم يمنعه ذلك من فتح قناة مفاوضات مع الحوثيين.
وهكذا تصرف في ليبيا أيضاً : فعلى حين كان يؤكد دعمه للرئيس السراج، الذي لا يطيعه أحد، كان يتصل هاتفياً مع المشير خليفة حفتر، لا بل كان يمده بالسلاح أيضاً.
لذلك لا ينبغي علينا أن نتفاجأ من التصريحات المتناقضة للمسؤولين الأمريكان، ولا أن نأخذ على محمل الجد تصريحات الرئيس ترامب المتضاربة أحياناً. ما يهمنا هو أفعاله، وليس أقواله.