صرح مسؤول في الحكومة الأردنية قبل أيام أن هذه قد تعيد النظر بالوضع القانوني لجماعة الإخوان المسلمين وتحولهم إلى مؤسسة خيرية أو إنسانية، علماً بأن للإخوان المسلمين في الأردن تنظيمين هما جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي، وردّ الإخوان المسلمون الأردنيون أنهم بصدد وضع برنامج شامل لحزب جبهة العمل الإسلامي يتناول جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الأردن شأن أي حزب آخر.
وسوف يتكرس نشاط الجماعة في جوانبه السياسية بحزب محدد التنظيم والأهداف والبرامج. وإن دققنا في تصريحاتهم وبياناتهم ولاحظنا ممارساتهم في العامين الماضيين لوجدناهم اقتنعوا بالدولة المدنية والتعددية والتداولية وديمقراطية صندوق الانتخاب حتى وإن لم يبلوروا هذه الأفكار في برنامج حزب كما ينتظر من أي حزب آخر.
في الأسبوع نفسه تسربت أخبار غير رسمية بأن جماعة الإخوان المسلمين في مصر في طريقهم لتشكيل حزب سياسي وطلبت ترخيصه من قبل لجنة الأحزاب وإنهاء وضع الجماعة الملتبس بين الجماعة وبين الحزب والطلب من النظام السياسي المصري التعامل معهم على أنهم حزب سياسي ومع نوابهم كنواب حزب معارض لا كنواب مستقلين، وستطرح الجماعة نفسها أخيراً على الشعب وعلى النظام على أنها حزب شأن أي حزب آخر لا جماعة دينية أو خيرية أو إنسانية كما كان حالها منذ تأسيسها.
عندما نشأت حركة الإخوان المسلمين في مصر إنما تأسست على أنها حركة دعوية دينية أقرب ما تكون إلى التيار الثقافي لكنها لم تكن تتسلح ببرنامج سياسي (ولم تكن بوضعها ذاك مطالبة بامتلاك برنامج). ولذلك كانت علاقاتها مع الحكومات وخاصة الوفدية ومع القصر الملكي بين مد وجزر، فتارة كانت تحالف الملك وطوراً تنقلب عليه والأمر نفسه بالنسبة للحكومات، ولأنها ليست حزباً سياسياً داخل اللعبة السياسية قامت باغتيال شخصيات سياسية كما تعرض مرشدها العام (حسن البنا) إلى الاغتيال السياسي.
واستمر التناقض مع السلطة السياسية بعد الثورة فجرت محاولة اغتيال عبدالناصر ثم شن بدوره هجوماً شرساً على قادة الحركة ومفكريها وأعدم بعضهم، ورغم هذه الصراعات المديدة لم تر الحركة ضرورة لتتحول إلى حزب وتعلن برنامجها السياسي، فبقيت نظرياً حركة دعوية دينية وعملياً حركة سياسية (لا حزباً) تمارس السياسة من أوسع أبوابها، وترفع الشعارات الدينية كلما خاضت معركة سياسية لتكسب الرأي العام، وقد أكد مرشحوها جميعهم في الانتخابات المصرية الأخيرة على شعار (الإسلام هو الحل)
ومن المعروف أن هذا الشعار عام جداً وغامض جداً ولا يصلح ليكون برنامجاً سياسياً لحزب معاصر، ويبدو أن قادة الإخوان المسلمين المصريين أدركوا ذلك مؤخراً، فصرح عديد من مسؤوليهم بأنهم يريدون دولة مدنية تعتبر المواطنة مرجعيتها الأساس، كما عبروا عن إيمانهم بالحرية والديمقراطية وتداول السلطة والتعدد السياسي والديني والإثني.
ولاشك أن هذه التصريحات التي تسربت على لسان هذا وذاك من مسؤوليهم تؤكد توجههم لتشكيل حزب يولد من رحم الجماعة ويمارس نشاطه كأي حزب، لكنهم لم يصوغوا هذه الأفكار والآراء التي تسربت من هنا وهناك على شكل برنامج واضح شامل ينقلهم من جماعة دعوية إلى حزب يشارك في الحياة السياسية ويدخلها من معطياتها المعاصرة لا من شعارات أخلاقية عامة غير ملموسة.
أما الإخوان المسلمون السوريون فقد أعلنوا برنامجهم الشامل منذ أكثر من عام ونصف العام وهو لا يختلف من حيث الصيغة القانونية والعرف والتقليد عن برنامج أي حزب سياسي آخر، ولاشك أن ذلك البرنامج كان الأكثر شمولاً بين برامج الجماعة في البلدان العربية الأخرى والأكثر تطوراً وتنوعاً وليبرالية، بحيث شكل ويشكل انتقالاً نوعياً من مرحلة إلى أخرى، فلم يعودوا تلك الجماعة الدينية الدعوية الخيرية التي كانوا عليها، وإنما صاروا تياراً سياسياً له برامجه الواضحة الواقعية التي تستوعب معطيات العصر وشروط الدولة الحديثة والأحزاب المعاصرة.
وقد طالب برنامجهم الشامل بقيام دولة مدنية ديمقراطية تعددية تداولية وأكدوا أن الديمقراطية التي يريدون هي ديمقراطية صندوق الاقتراع وشاركوا في (إعلان دمشق) الذي يضم أكثر من عشرين تنظيماً سياسياً علمانياً سورياً وتحالفوا مع تيارات سياسية أخرى خارج سوريا في (جبهة الخلاص الوطني) وبقي أن يعلنوا تحولهم إلى حزب سياسي ويبدو أنهم في طريقهم لمثل هذا الإعلان.
منذ الأيام الأولى لاحتلال العراق تحولت جماعة الإخوان المسلمين هناك إلى حزب سياسي باسم (الحزب الإسلامي) شارك في السلطة منذ (بريمر) الحاكم الأول للعراق بعد الاحتلال حتى أيامنا الحاضرة، ولعب اللعبة السياسية كغيره من التيارات والأحزاب العراقية الأخرى التي تحالفت مع الأميركيين وجاءت معهم إلى بغداد، سواء على الدبابات الأميركية أم مشياً على الأقدام، وتحمل الحزب وزر ممالأة الاحتلال ومهادنته والتعاون معه وما زال.
هناك عدد من جماعات الإخوان المسلمين في بلدان عربية أخرى تتحفز للتحول إلى أحزاب سياسية وتغير مسارها التنظيمي وبرامجها السياسية والاقتصادية وتحالفاتها الداخلية ومفاهيمها تجاه بنية الدولة الحديثة ومعاييرها، ونزع ثياب (الدروشة والمسكنة والعنف) وإقصاء العموميات من أهدافها والانحياز للمشخص والمحسوس، والاستغناء كلياً عن الشعارات القديمة التي قد تصلح في الواقع كقيم عليا لكنها لا تصلح لبرامج سياسية لجماعة أو تيار سياسي.
رغم وجود مجلس عالمي للإخوان المسلمين، فليس بين جماعاتهم في البلدان المتعددة علاقات تنظيمية وما مهمات المجلس في الواقع سوى مهمات تنسيقية ولذلك فليس بالضرورة أن يكون قرار تحول الحركة إلى حزب في أي بلد قراراً مركزياً، بل لكل حركة حرية العمل والتصرف حسب الظروف التي تعيش فيها وتعمل من خلالها، سواء من حيث التحول إلى حزب أم من حيث وضع برنامج جديد أم اختلاف هذا البرنامج بين هذه الجماعة أو تلك ولكل جماعة الحق بالدخول في التحالفات السياسية التي تريدها.
يبدو أن بعض التيارات الدينية السياسية في البلدان العربية على وشك التحول إلى أحزاب سياسية علنية وصريحة دون التباس انسجاماً مع التطورات العالمية التي حدثت في العقدين الماضيين ومستفيدة من تجاربها السابقة، وهذا ولاشك يغني الحركة السياسية العربية ما دامت هذه الأحزاب المنتظرة تؤمن بالدولة المدنية والتبادلية والمساواة والحرية والديمقراطية والتحالفات السياسية وتتمسك بقوانين اللعبة السياسية المعاصرة وإذا حصل هذا التحول فسيكون خطوة خيّرة وإثراء للحركة السياسية العربية.