أعلن الرئيس الباكستاني برويز مشرف قانون الطوارئ في الباكستان في مطلع الشهر الحالي، وأقال في إثر ذلك أعضاء المحكمة الدستورية العليا وفرض الإقامة الجبرية على رئيسها وعلى زعيمة حزب الشعب الباكستاني بنازير بوتو ومنع التظاهر وأعطى لنفسه أو لحكومته الحق بتغيير موعد الانتخابات النيابية وغير ذلك من الإجراءات التي تحد من الحريات وتقلص أو تلغي صلاحيات المؤسسات الدستورية والقضائية وحتى التنفيذية، وكل ذلك استناداً إلى نصوص قانون الطوارئ والأحكام العرفية باعتبارها مرجعية قانونية تعطيه الحق عند إقرارها باتخاذ مثل هذه الإجراءات.
وأمام تظاهرات الشعب الجورجي لعدة أيام متوالية أول نوفمبر الحالي مطالباً ميخائيل ساكاشفيلي بالاستقالة عمد الرئيس إلى فرض الطوارئ والأحكام العرفية في العاصمة (تبليسي) مستعيناً بها لمنع المظاهرات وإعادة (الهدوء) إلى العاصمة وإجهاض احتجاجات المعارضة، لكنه فشل في تحقيق أهدافه والتف على هذه المطالب بتقديم انتخابات الرئاسة إلى مطلع يناير المقبل رافضاً الاستقالة ومتلمساً حلاً وسطاً مع المعارضة.
يلاحظ أنه كلما اقتربت أزمة حكومية صعبة الحل من حاكم شمولي أو حاكم ضعيف أو حكومة تفتقد للتأييد الشعبي، وعندما تطالب المعارضة بالديمقراطية، أو يطالب الشعب بحلحلة أزمات اقتصادية أو اجتماعية تعجز الحكومات عن حلها، يلجأ الحكام أو الحكومات إلى قوانين الطوارئ لإنقاذ نفسها من سخط المعارضة أو المطالب الشعبية.
سواء بأخذ المبادرة بتزوير الانتخابات (بسلطة قانون الطوارئ) أو بتقييد الحريات بموجب القانون نفسه، وتكراراً فإن هذا يتم في حالة كون الحاكم ضعيفاً كما في حال الأنظمة الشمولية والحكومات المفتقدة للتأييد الشعبي، ولذلك نادراً ما تلجأ الحكومات الديمقراطية في البلدان المتقدمة.
خاصة إلى قوانين الطوارئ لأسباب سياسية أو لمواجهة المعارضة أو المطالب الشعبية، فتلك أصبحت خصيصة للبلدان المتخلفة وللحكومات المتخلفة، والأنظمة الشمولية والحاكم الفرد، أما إعلان حالة الطوارئ في البلدان الديمقراطية فيقتصر على أهداف بعينها ليس بينها قمع الحريات، أو الوقوف بوجه المطالب الشعبية أو ما يشبه ذلك.
إن نظام قوانين الطوارئ هو نظام استثنائي تلجأ إليه الحكومات لمواجهة ظروف طارئة من أهمها حالة الحرب، فجميع الدول تعلن حالة الطوارئ مع إعلان حالة الحرب (ذلك لأن الحرب حالة استثنائية تحتاج لإجراءات استثنائية حتى لو كانت على حساب القانون المعمول به)، أو مواجهة الكوارث (فقد أعلن الرئيس بوش مثلاً حالة الطوارئ في الشهر الماضي عندما تعرضت إحدى الولايات للحرائق.
وعند تعرض ولاية أخرى للأعاصير)، أو لمواجهة اضطرابات داخلية تهدد الأمن (كما فعل الرئيس مشرف محتجاً بالعمليات الإرهابية، والرئيس الجورجي ساكاشفيلي محتجاً باختلال الأمن بسبب المظاهرات).
وقد تعلن مع قوانين الطوارئ قوانين الأحكام العرفية التي تعطي وزير الداخلية والمحافظين والموظفين الإداريين والسلطات الأمنية صلاحيات تنفيذية واسعة جداً تتجاوز مهماتها الأساسية وعلى حساب السلطتين التشريعية والقضائية.
يحق للحاكم بحسب قانون الطوارئ مراقبة الرسائل والصحف والنشر وجميع وسائل التعبير، ومصادرة العقارات والأموال المنقولة، وفرض الحراسة المؤقتة على الشركات والمؤسسات والجمعيات، وفرض قيود على اجتماع الأشخاص (لأكثر من ثلاثة أو خمسة أشخاص) وله الحق بتحديد انتقال الأفراد وتنقلهم ومنعهم من السفر والتوقيف الاحتياطي والتنصت على الاتصالات الهاتفية وتحديد الإقامة وتفتيش المنازل، وإقامة محاكم استثنائية.
وحل الأحزاب ومنع النشاط السياسي والجمعيات وإلغاء دور القضاء في هذه المجالات، أي بتعبير أدق يعني إعلان حالة الطوارئ وما يتبعها من قوانين الأحكام العرفية الانتقاص من دور السلطات القضائية والتشريعية ومؤسسات الدولة وتوسيع دور الأجهزة التنفيذية المباشرة وأجهزة الأمن خاصة، والضرب بالدستور والقوانين المعمول بها عرض الحائط.
تقضي التشريعات الدولية (والعرف الدولي أيضاً) أن يتضمن إعلان قانون الطوارئ تحديد المكان الذي سيطبق فيه وتحديد الزمان الذي سيدوم فيه هذا التطبيق، وتضع هذه التشريعات شروطاً متصلبة أمام العسف المحتمل أثناء تطبيق قانون الطوارئ، فتطالب بتطبيقه بأضيق الدرجات.
وخاصة في مجال حريات المواطنين وحماية أملاكهم وكراماتهم وحياتهم وأن لا يخرج قانون الطوارئ عن الهدف الأصلي الذي جاء من أجله ولا يوسع صلاحياته لتطاول أموراً أخرى لم يأت القانون من أجلها، فمواجهة الكوارث مثلاً لا تقتضي التضييق على الحريات أو تعطيل القضاء أو غير ذلك من الإجراءات الاستثنائية.
ترتكب مخالفات في معظم الحالات التي يفرض فيها قانون الطوارئ وفي معظم البلدان وعلى رأس هذه الارتكابات عدم تحديد المكان فيفرض القانون على البلاد كلها بينما تكون المشكلة في مدينة واحدة أو عدة مدن (فرضه الرئيس مشرف على كامل أراضي الباكستان مع أن الأسباب المعلنة هي مواجهة القبائل المسلحة في الشمال الغربي من الباكستان)، ومن الارتكابات عدم تحديد الزمان (يطبق في سوريا منذ أربعة وأربعين عاماً ولأجل غير مسمى) وكذلك التعسف في تطبيقه، كإقامة محاكم استثنائية تعتمد على هذا القانون.
وبالتالي لا يحاكم المواطن أمام قاضيه الطبيعي ويمنع أحياناً من تكليف محام، أو يوقف احتياطياً لعدة سنين (قد تدوم عشرين عاماً)، وتحكم المحاكم الاستثنائية هذه على هواها في الغالب الأعم.
وتكون عقوبتها أضعاف ما تستحقه الجريمة (هذا إذا كان هناك من جريمة) وتتم مصادرة الأملاك أو الشركات كيفياً وحسب مزاج أجهزة الأمن أو الأجهزة التنفيذية دون أن يحق للمتضرر اللجوء للقضاء وتهديده إن حاول اللجوء إليه أو اضطر حتى للجوء للقضاء الاستثنائي الذي نص عليه قانون الطوارئ نفسه.
وتحصل مخالفات لا حصر لها في مجالات الاعتقال ومنع السفر والتلاعب بحقوق الناس وانتهاك الدستور والقانون، وتساهم التطبيقات في نشر الفساد وإلغاء أو التضييق على تكافؤ الفرص، وتوزيع الامتيازات على من لا يستحقها، والتلاعب بالتكليف الوظيفي أو الترفيع أو تسلم المسؤوليات الإدارية وغير الإدارية، والتدخل في توظيف المواطنين وتشغيلهم وفي المناقصات والعطاءات والمشاريع وخطط الدولة الاقتصادية.
وباختصار التدخل في أصغر شؤون المجتمع والدولة ونشاطاتهما، مع أن قوانين الطوارئ والأحكام العرفية هي عادة محددة الأهداف وآليات التنفيذ، ولكثرة استغلال هذه القوانين تجعل مطلب المواطنين لا إلغاءها (فهذا مطلب صعب) بل تطبيقها حسب الأصول، ولنتصور البؤس الذي وصلت إليه بعض المجتمعات بحيث يصبح طموح المواطنين تطبيق قوانين الطوارئ على أصولها دون تجاوز أو مبالغة.