في حين توصلت روسيا والولايات المتحدة إلى اتفاق مبدئي يتعلق بالشرق الأدنى عموما, وبسورية على وجه الخصوص, إلا أن الحرب لاتزال مستعرة في سورية. يمكن تفسيرهذا التناقض من خلال قلة الادب ومشاعر الكراهية التي أبدتهما كل من الحكومتين التركية والسعودية.
بالنسبة لتييري ميسان, فإن الكشف عن دور حقان فيدان في صحيفة وول ستريت جورنال هو بمثابة تحذير أخير لأنقرة.
خصصت الصحافة التركية دزينة من المقالات التي علقت على الدراسة التي نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال عن حقان فيدان (1). وقد اعتبرت تلك المقالات أن الهجوم الذي تعرض له حقان هو دليل حي على السياسة المستقلة التي ينتهجها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إزاء الولايات المتحدة.
وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال فإن رئيس ام.آي.تي (جهاز المخابرات الرئيسي في تركيا), يأتي ترتيبه في الواقع وراء رئيس الوزراء مباشرة, و حتى قبل رئيس الجمهورية عبد الله غل, أو وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو.
قد يكون وصول رجل أردوغان الثقة على راس جهاز ام.آي.تي في شهر أيار-مايو 2010 بداية لحقبة سياسة غير أمريكية في تركيا : اعتقال وإدانة كبار الضباط الذين كانت تربطهم علاقات مع البنتاغون (قضية ارجينيكون), دعم الأخوان المسلمين إبان الربيع العربي, ومحاولة استغلال النزاع السوري لتقسيم البلد, وتأسيس دولة كردية.
اتهمت وول ستريت جورنال حقان فيدان, بشكل خاص, بدعم الجهاديين في سورية, بمن فيهم الأكثر عداء للغرب, رغم تحذيرات واشنطن بهذا الخصوص.
مع ذلك, نسيت الصحيفة الاشارة إلى أنه خلافا لرجب طيب أردوغان, لم يكن حقان فيدان من جماعة الأخوان المسلمين, بل مقربا من فتح الله غولن (معلم الرئيس غل).
من ناحيتنا, فنحن نفهم هذا الجدل بالعكس تماما : ما من شيء في هذه السياسة يتعارض مع المصالح الأمريكية. بل على العكس, فقد تم كل شيء بناء على أوامر من واشنطن. وهكذا لم تكن ادانة كبار الضباط ضربة موجهة ضد الولايات المتحدة, بل ركلة جزاء, الهدف منها أخذ مسافة من الولايات المتحدة, بهدف التقرب من جيش الشعب الصيني, كما اتضح من ادانة مسؤولين في حزب صغير, حزب العمال الماوي.
لم يكن الدعم الذي قدمته أنقرة للأخوان المسلمين في شمال أفريقيا نزوة طارئة, بل تنفيذا لخطة وزارة الخارجية بالتنسيق مع مكتب هيلاري كلينتون من خلال "الأخت" هوما عابدين ومؤسسة وليام.ج كلينتون من خلال "الأخ" جهاد الحداد ( والدة السيدة عابدين كانت تدير بالاشتراك مع زوجة محمد مرسي الفرع النسائي لجماعة الأخوان, بينما كان والد السيد الحداد يشغل منصب المستشار السياسي للرئيس مرسي).
أخيرا, تبدو المحاولات الرامية لتأسيس دولة كردية منسجمة مع تطلعات البنتاغون الرامية إلى تقسيم سورية إلى عدة دويلات, وفقا للخارطة التي نشرها رالف بيترس عام 2006 (2).
وهكذا فإن حقان فيدان, الذي شارك عام 2009 بالمفاوضات السرية مع حزب العمال الكردستاني في أوسلو, هو أفضل المطلعين من الأتراك على هذا الموضوع.
بالاضافة إلى ذلك, الانعطاف الذي طرأ على السياسة التركية لم يحصل في شهر أيار-مايو 2010 حين وصول حقان فيدان إلى رئاسة جهاز ام.آي.تي, بل عام 2011, إبان الحرب على ليبيا.
في تلك الفترة, لم تأخذ أنقرة علما بالفرص المتاحة من خلال التفاهمات بين جماعة الأخوان المسلمين والولايات المتحدة, إلا تحت ضغط وزارة الخارجية الأمريكية. اعتبارا من تلك اللحظة بالذات أصبح رجب طيب أردوغان " أخوانيا" رغم ادعائه تخليه عن الجماعة أثناء حبسه عام 1998 و"اعتناقه" العلمانية.
غير أن المشكلة الحقيقية تكمن في مكان آخر : إنها في دعم الجهاديين.
في بداية الحرب في سورية كان الجهاد ممولا من قطر, بتنسيق من قبل حلف شمال الأطلسي انطلاقا من قاعدة انجرليك التركية, ولم تكن هناك أية شكوى. لكن بعد الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة, على أثر السلاح الكيماوي, وانسحاب الولايات المتحدة عسكريا من النزاع السوري, استمرت تركيا والسعودية في لعب الأدوار السابقة لهما.
لذاو يجب النظر إلى مقال وول ستريت جورنال كتحذير شخصي إلى كل من أردوغان وفيدان.
حقان فيدان, الذي أجرى دراساته في الولايات المتحدة, وعمل لحساب أجهزة استخبارات ناتو أثناء حرب كوسوفو, لابد أنه فهم الرسالة الأمريكية التي وجهت له عبر مقال صحيفة وول ستريت جورنال.
هوامش:
[1] “Turkey’s Spymaster Plots Own Course on Syria. Hakan Fidan Takes Independent Tack in Wake of Arab Spring”, par Adam Entous et Joe Parkinson, The Wall Street Journal, 10 octobre 2013.
http://online.wsj.com/news/articles/SB10001424052702303643304579107373585228330
[2] “Blood Borders ; How a Better Middle-East Would Look”, par Ralph Peters, Armed Forces Journal, juin 2006.